ثَالِثُهَا: أَنْ يُبَيِّنَ المُسْتَدِلُّ فِي صُورَةِ النَّقْضِ مَانِعًا يَمْنَعُ مِنْ ثُبُوتِ الحُكْمِ فِيهَا، فَيُبْطِلُ النَّقْضَ عِنْدَ مَنْ يَرَى أَنَّ تَخَلُّفَ الحُكْمِ لِمَانِعٍ لاَ يَقْدَحُ كَقَوْلِنَا: يَجِبُ القِصَاصُ فِي القَتْلِ بِالمُثْقَلِ كَالمُحَدَّدِ، فإِنْ نَقَضَ بِقَتْلِ الأَبِ ابْنَه فإِنَّ الوَصْفَ مَوْجُودٌ فِيهِ مَعَ تَخَلُّفِ الحُكْمِ، فَجَوَابُه أَنَّ ذَلِكَ لِمَانِعٍ وهو كَوْنُه كَانَ سَبَبًا لإِيجَادِه فَلاَ يَكُونُ هو سَبَبًا لإِعْدَامِه.
ص: وَلَيْسَ لِلْمُعْتَرِضِ الاسْتِدْلاَلُ علَى وُجُودِ العِلَّةِ بِهِ عِنْدَ الأَكْثَرِ للاَنْتِقَالِ، وقَالَ الآمِدِيُّ: مَا لَمْ يَكُنْ دَلِيلٌ أَولَى بِالقَدْحِ، ولوْ دَلَّ علَى وُجُودِهَا بمَوْجُودٍ فِي مَحَلِّ النَّقْضِ، ثُمَّ مَنَعَ وُجُودَهَا فقَالَ: %%%
يُنْتَقَضُ دليلُكَ، فَالصوَابُ أَنَّهُ لاَ يُسمَعُ لانتقَالِه من نَقْضِ العِلَّةِ إِلَى نقْضِ دليلِهَا.
ش: إِذَا مَنَعَ المُسْتَدِلُّ وُجُودَ العِلَّةِ فِي صُورَةِ النَّقْضِ فَهَلْ لِلْمُعْتَرِضِ الاستدلاَلُ علَى وُجُودِهَا؟ فِيهِ مَذَاهِبُ: أَحَدُهَا ـ وَبِهِ قَالَ الأَكْثَرُونَ، وجزَمَ بِهِ الإِمَامُ فخرُ الدَّين وَالبَيْضَاوِيُّ ـ أَنَّهُ لَيْسَ له ذَلِكَ؛ لأَنَّهُ انتقالٌ عَنِ المَقْصُودِ قَبْلَ تمَامِ الكلاَمِ فِيه إِلَى غيرِه.
الثَّانِي: (179/ب/م) لَهُ ذَلِكَ؛ لأَنَّهُ متمِّمٌ للنقضِ.
الثَّالِثُ ـ وَبِهِ قَالَ الآمِدِيُّ ـ: إِنَّهُ إِنْ تَعَيَّنَ ذَلِكَ طريقًا لِلْمُعْتَرِضِ فِي دفْعِ كلاَمِ المُسْتَدِلِّ وَجَبَ قَبُولُهُ، وإِنْ أَمكنَهُ القَدْحُ بطريقٍ آخرَ هو أَفضَى إِلَى المَقْصُودِ فلاَ، فإِذَا قُلنَا بَالأَوَّلِ، فأَقَامَ المُسْتَدِلُّ الدَّلِيلَ علَى وُجُودِ العِلَّةِ فِي مَحَلِّ التَّعْلِيلِ، وكَانَ ذَلِكَ الدَّلِيلُ دَالاًّ علَى وُجُودِهَا فِي مَحَلِّ النقْضِ لكن قَد مَنَعَ المُسْتَدِلُّ وُجُودَهَا فِي مَحَلِّ النَّقْضِ فقَالَ له المُعْتَرِضُ: ينتقِضُ دليلُك،