دَخَلَ الاقْتِرَانُ فِي مَاهِيَّةِ المُنَاسَبَةِ لَمْ يَصِحَّ ذَلِكَ، ومِثَالُه الإِسْكَارُ فإِنَّه عِلَّةُ تَحْرِيمِ الخَمْرِ، وَلَيْسَ فِيهِ نَصٌّ، ولَكِنَّه مُسْتَنْبَطٌ فإِنَّ الإِسْكَارَ لإِزَالَتِه لِلْعَقْلِ المَطْلُوبِ حِفْظُه يُنَاسِبُ التَّحْرِيمَ، وأُلْحِقَ بِهِ النَّبِيذُ وَالحَشِيشَةُ وَغَيْرُهُمَا.
وَقَدْ اعْتُرِضَ علَى هذَا التَّعْرِيفِ بأَنَّ فِيهِ دَوْرًا، لأَنَّ مَعْرِفَةَ إِبْدَاءِ المُنَاسَبَةِ يَتَوَقَّفُ علَى مَعْرِفَتِهَا فَكَيْفَ يُعْرَفُ بِهَا؟
وأُجِيبَ عَنْهُ بأَنَّ المُنَاسَبَةَ/ (171/أَ/م) المَأْخُوذَةَ فِي التَّعْرِيفِ لُغَوِيَّةٌ بِمَعْنَى المُلاَئَمَةِ فَلاَ دَوْرَ، ويَتَحَقَّقُ الاسْتِدْلاَلُ علَى أَنَّ الوَصْفَ الذي أَبدَاه هو العِلَّةُ بِعَدَمِ مَا سِوَاهُ بِطَرِيقِ السَّبْرِ، ولاَ يَكْفِي أَن يَقُولَ: بَحَثْتُ فَلَمْ أَجِدْ غَيْرَه، وإِلاَّ لَلَزِمَ الاكْتِفَاءُ بِهِ ابْتِدَاءً ولاَ قَائِلَ بِهِ.
ص: وَالمنَاسِبُ: المُلاَئِمُ لأَفعَالِ العُقَلاَءِ عَادَةً، وَقِيلَ: مَا يَجْلِبُ نَفْعًا أَو يَدْفَعُ ضَرَرًا وقَالَ أَبُو زَيْدٍ: مَا لَوْ عُرِضَ علَى العُقُولِ لَتَلَقَّتْهُ بِالقَبُولِ، وَقِيلَ: وَصْفٌ ظَاهِرٌ مُنْضَبِطٌ يَحْصُلُ عَقْلاً مِنْ تَرْتِيبِ الحُكْمِ عَلَيْهِ مَا يَصْلُحُ كَوْنُه مَقْصُودًا لِلشَّارِعِ مِنْ حُصُولِ مَصْلَحَةٍ أَو دَفْعِ مَفْسَدَةٍ فإِنْ كَانَ خَفِيًّا أَو غَيْرَ مُنْضَبِطٍ اعْتُبِرَ مُلاَزِمُه وهُوَ المَظِنَّةُ.
ش: للْمُنَاسِبِ تَعْرِيفَاتٌ:
أَحَدُهَا: أَنَّهُ الوَصْفُ المُلاَئِمُ لأَفْعَالِ العُقَلاَءِ فِي العَادَةِ، أَي يَقْصِدُه العُقَلاَءُ لِتَحْصِيلِ مَقْصُودٍ مَخْصُوصٍ، كَمَا يقَالَ: هذه اللُّؤْلُؤَةُ تُنَاسِبُ هذه اللُّؤْلُؤَةَ، وهذه الجُبَّةُ تُنَاسِبُ هذه العِمَامَةَ.
الثَّانِي: أَنَّهُ مَا يَجْلِبُ للإِنسَانِ نَفْعًا أَو يَدْفَعُ عَنْهُ ضَرَرًا، وقَيَّدْنَا ذَلِكَ بِالإِنسَانِ كَمَا فَعَلَ البَيْضَاوِيُّ لِتَعَالِي الرَّبِّ سُبْحَانَه عَنِ الضَّرَرِ وَالانْتِفَاعِ.
وَقَدْ اعْتُرِضَ علَى هذَا التَّعْرِيفِ بأَنَّ فِيهِ تَفْسِيرَ العِلَّةِ بِالحُكْمِ، لأَنَّ الوَصْفَ المُنَاسِبَ