وإشباع جواب فيها، بل يغتنم ما يفتح الله على لسان شيخه فيقبله ويعمل به، وإن رأى في جوابه نقصانًا وقصورًا فلا يرد عليه، بل يشكر الله تعالى على ما خصه من فضل وعلم ونور، ويخفى جميع ذلك في نفسه، ولا يكثر حديثه فيقول أخطأ الشيخ في المسألة، ولا يناقض كلامه إلا أن يغلب عليه ذلك، فيبتدر منه الكلمة فليتداركه بالسكوت والتوبة، والعزم على ترك المعاودة على ما قدمنا ذكره في أثناء الكتاب، من فعله في توبته عن معاصي الله عز وجل، فالخير كله في حق المريد في سكوته فيما هذا سبيله.
وينبغي للمريد ألا يتحرك في حال السماع بين يدي الشيخ إلا بإشارة منه عليه، ولا يرى من نفسه البتة حالاً إلا أن ترد غلبة تأخذه عن التمييز والاختيار، فإذا سكنت فورته فليعد إلى حال سكونه وأدبه ووقاره وكتمان ما أولاه الله عز وجل من سره، وقد ذكرنا هذا وإن كنا لا نرى بالسماع والقول والقصب والرقص، وقد قدمنا كراهته فيما تقدم، إلا أنا قد ذكرنا ذلك على ما قد لهج به أهل زماننا في أربطتهم ومجامعهم، ولا ينكر أن يكون فيمن يفعل ذلك صادق، فيكون معنى ما قد سمع مهيجًا لنائرة صدقه ومثيرًا لها، فيشتغل بنائرته ويغيب فيها، فتتحرك أعضاؤه وجوارحه بين القوم وهو في معزل عما القول فيه من لذة الطباع والأهوية، وتذكار كل واحد قرب معشوقه ممن قد مات وطال به عهده، ومن هو حي غائب عنه فاشتد شوقه.
والمريد الصادق نائرته غير خامدة، وشعلته غير هامدة، ومحبوبه غير غائب، وأنيسه غير مستوحش، فهو أبدًا في زيادة دنو وقرب، ولذة ونعيم، فلا يغيره ويهيجه عن حالته غير كلام مراده، وحديثه الذي هو ربه عز وجل.
ففي ذلك عنده مندوحة عن الأشعار والقيانة والأصوات وصراخ المدعين شركاء الشياطين، ركاب الأهوية مطايا النفوس والطباع، أتباع كل ناعق وزاعق.
وينبغي للمريد أن لا يعارض أحدًا في حال سماعه، ولا يزاحم أحدًا في وقته في التقاضي على الذي ينشد الزهديات المرققات المشوقات إلى الجنان والحور، ورؤية الحق تعالى في الآخرة، المزهدات في الدنيا ولذاتها وشهواتها وأبنائها ونسوانها، المشجعات على الصبر على آفاتها ومحنها وبلائها، وأدبارها على أبناء الآخرة، وإقبالها على أبنائها وغير ذلك، فليكل جميع ذلك إلى الشيخ الحاضر، فإن القوم في ولاية الشيخ، اللهم