جمرة الخشية فأحرقت كل ما هنالك. قال الله عز جل: {إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة} [النمل: 34] كما قيل: إنها لوعة تهون كل روعة فنومه غلبه وأكله فاقة، وكلامه ضرورة، ينصح نفسه أبدًا فلا يجيبها إلى محبوبها ولذاتها، وينصح عباد الله ويأنس بالخلوة مع الله، ويصبر عن معاصي الله تعالى ويرضى بقضاء الله ويختار أمر الله، ويستحي من نظر الله، ويبذل مجهوده في محاب الله تعالى، ويتعرض أبدًا لكل سبب يوصله إلى الله عز وجل، ويقنع بالخمول والاختفاء، فلا يختار حمد عباد الله، ويتحبب إلى ربه بكثرة النوافل، مخلصًا لله حتى يصل إلى الله عز وجل، ويحصل في زمرة أحباب الله تعالى ومراديه، فحينئذ يسمى مرادًا، فتحط عنه أثقال سالكي طريق الله، ويغسل بماء رحمة الله ورأفته ولطفه، فيبنى له بيت في جوار الله، وتخلع عليه أنواع الخلع، وهي المعرفة بالله والأنس به، والسكون والطمأنينة إليه، وينطق بحكمة الله وأسرار الله بعد الإذن الصريح، بل الخبر من الله عز وجل، ويلقب بألقاب يتميز بها بين أحباب الله تعالى، فيدخل في خواص الله، ويسمى بأسماء لا يعلمها إلا الله، ويطلع على أسرار تخصه، فلا يبوح بها عند غير الله عز وجل، فيسمع من الله، ويبصر بالله وينطق بالله ويبطش بقوة الله، ويسمى في طاعة الله، ويسكن إلى الله، وينام مع طاعة الله، وذكر الله في كلاءة الله وحرز الله، فيكون من أمناء الله وشهدائه، وأوتاد أرضه ومنجى عباده وبلاده وأحبائه وأخلائه، قال النبي -صلى الله عليه وسلم- حاكيًا عن الله تعالى: "لا يزال عبدي المؤمن يتقرب إلىَّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه وبصره ولسانه ويده ورجله وفؤاده، فبي يسمع وبي يبصر وبي ينطق وبي يعقل وبي يبطس" الحديث.
فهذا عبد حمل عقله العقل الأكبر، وسكنت حركاته الشهوانية لقبضة الحق عز وجل، فصار قلبه خزانة الله عز وجل، فهذا هو مراد الله تعالى إن أردت أن تعرفه يا عبد الله.
وقد قال من تقدم من عباد الله: إن المريد والمراد واحد، إذ لو لم يكن مراد الله عز وجل بأن يريده لم يكن مريدًا، إذ لا يكون إلا ما أراد، لأنه إذا أراده الحق بالخصوصية وفقه بالإرادة، كما قال الله تعالى: {وما تشاؤن إلا أن يشاء الله} [الإنسان:30].