الذين صفوا عن الأهوية المضلة، وأمسكوا عن الأخلاق الردية
فأدخلوا في زمرة الأبدال وأهل الولاية واتصفوا بالعينية،
على وجه الاختصار والإقلال، خشية السآمة والملال
أما الإرادة: فترك ما عليه العادة، وتحقيقها نهوض القلب في طلب الحق سبحانه وترك ما سواه، فإذا ترك العبد العبادة التي هي حظوظ الدنيا والأخرى فتجردت حينئذ إرادته، فالإرادة مقدمة على كل أمر، ثم يعقبها القصد، ثم الفعل، فهي بدء طريق كل سالك واسم أول منزلة كل قاصد، قال الله عز وجل لنبيه -صلى الله عليه وسلم-: {ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه} [الأنعام:52] فنهى نبيه -صلى الله عليه وسلم- عن طردهم وإبعادهم، وقال تعالى في آية أخرى: {واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا} [الكهف:28] فأمره -صلى الله عليه وسلم- بالصبر معهم وملازمتهم وتصبر النفس في صحبتهم، ووصفهم بأنهم يريدون وجهه، ثم قال: {ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا} فبان بذلك أن حقيقة الإرادة إرادة وجه الله فحسب، دون زينة الحياة الدنيا والأخرى.
فأما المريد والمراد، فالمريد: من كانت فيه هذه الجملة واتصف بهذه الصفة، فهو أبدًا مقبل على الله عز وجل وطاعته، مُوَلٍّ عن غيره وأجابت، يسمع من ربه عز وجل فيعمل بما في الكتاب والسنة، ويصم عما سوى ذلك، ويبصر بنور الله عز وجل فلا يرى إلا فعله فيه، وفي غيره من سائر الخلائق، ويعمى غيره فلا يرى فاعلاً على الحقيقة غيره عز وجل، بل يرى آلة وسببًا محركًا مدبرًا مسخرًا قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "حبك الشيء يعمى ويصم" أي يعميك عن غير محبوبك، ويصمك عنه لاشتغالك بمحبوبك، فما أحب حتى أراد، وما أراد حتى تجردت إرادته، وما تجردت إرادته حتى قذفت في قلبه