قال الله تعالى: «وعزتي وجلالي لآمرنهم بالاستعاذة فإذا استعاذوا بي حفظتهم عن اليمين بالهداية، وعن الشمال بالعناية، وعن الخلف بالعصمة، وعن القدام بالنصرة، حتى لا تضرهم وسوستك يا ملعون».
ورد في بعض الأحاديث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «من استعاذ بالله مرة حفظه الله تعالى في يومه ذلك».
وقال أيضًا -عليه الصلاة والسلام-: «أغلقوا أبواب المعاصي بالاستعاذة وافتحوا أبواب الطاعة بالتسمية».
وقيل: إن إبليس يبعث كل يوم ثلاثمائة وستين عسكرًا لإضلال المؤمن، فإذا استعاذ المؤمن بالله -عز وجل- نظر الله إلى قلبه ثلاثمائة وستين نظرة، ففي كل نظرة من نظراته يهلك عسكرًا من عساكره -لعنه الله-.
(فصل) والذي يخاف الشيطان منه ويحذره الاستعاذة، وشعاع نور معرفة قلوب العارفين، فإن لم تكن من العارفين فعليك باستعاذة المتقين إلى الله ترقى إلى درجة العارفين، فحينئذ شعاع نور قلبك يكسر شوكته، ويهزم جنده ويبيد حضراه، ويقلع شافته في خاصتك، وربما جعلت سجنه لإخوانك وأتباعك، كما ورد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في حق عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: «إن الشيطان يفر من ظلك يا عمر».
وقوله -صلى الله عليه وسلم-: «ما سلك عمر واديًا إلا والشيطان سلك غير ذلك الوادي».
وقيل: إن الشيطان كان يصرع إذا رأى عمر -رضي الله عنه-.
فإذا علم الشيطان من العبد الصدق في عداوته والمخالفة لدعوته أيس منه وتركه واشتغل بغيره.
وإنما يأتيه لمًا أحيانًا على وجه الاختفاء والتلصص، فليكن العبد أبدًا ملازمًا للصدق مستيقظًا مرتقبًا لمجيء الشيطان وكيده، فإن مثقبه دقيق، وعداوته قديمة أصلية، وإنه يجري في الجلود واللحوم كجري الدم في العروق.
وقد روي عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنه كان يقول بعد كبره: اللهم إني أعوذ بك من أن أزني أو أقتل، فقيل له: أتخاف من ذلك؟ فقال كيف لا أخاف وإبليس حي.