وقيل لأحمد بن حنبل رحمه الله: هل يجوز أن تقول إن الله تعالى متكلم، ويجوز عليه السكوت؟ فقال رحمه الله: نقول في الجملة إن الله تعالى لم يزل متكلمًا، ول ورد الخبر بأنه سكت لقلنا به ولكنا نقول إنه متكلم كيف شاء بلا كيف ولا تشبيه.
(فصل) وكذلك حروف المعجم غير مخلوقة وسواء كان ذلك في كلام الله تعالى أو في كلام الآدميين.
وقد ادعى قوم من أهل السنة أنها قديمة في القرآن الشريف محدثة في غيره، وهذا خطأ منهم، بل القول السديد هو الأول من مذهب أهل السنة بلا فرق، لقوله تعالى: {إنما أمره إذا أراد شيئًا أن يقول له كن فيكون} [يس: 82].
وهي حرفان فلو كانت ((كن)) مخلوقة لاحتاجت إلى ((كن)) تخلق بها إلى ما لا نهاية له، وقد تقدمت أدلة كثيرة من الآيات فلا نعيدها.
وأما من السنة فما روي عن النبي- صلى الله عليه وسلم- أنه قال لعثمان بن عفان لما سئل عن أ، ب، ت، ث، إلى آخر الحروف.
فقال: الألف من اسم الله الذي هو الله، والباء من اسم الله الذي هو البارئ، والتاء من اسم الله الذي هو المتكبر، والثاء من اسم الله الذي هو الباعث والوارث، حتى أتى إلى آخرها، فذكر أنها كلها من أسماء الله وصفاته.
وأسماؤه عز وجل غير مخلوقة. وقال النبي- صلى الله عليه وسلم- في حديث علي كرم الله وجهه لما سأله عن معنى أبجد هوز حطي ... إلى آخرها: يا علي ألا تعرف تفسير أبي جاد؟ الألف من اسم الله عز وجل الذي هو الله، والباء من اسم الله الذي هو البارئ، والجيم من اسم الله الذي هو الجليل ... إلى آخرها. فذكر النبي- صلى الله عليه وسلم- أنها من أسماء الله وهي في كلام الآدميين.
وقد نص أحمد بن حنبل رحمه الله على قدم حروف الهجاء، فقال في رسالته إلى أهل نيسابور وجرجان: ومن قال إن حروف التهجي محدثة فهو كافر بالله، ومتى حكم أن ذلك مخلوق فقد جعل القرآن مخلوقًا.
ولما قيل له رحمه الله إن فلانًا يقول: إن الله تعالى لما خلق الحروف انضجعت اللام، وانتصبت الألف، فقالت لا أسجد حتى أؤمر. فقال أحمد هذا كفر من قائله.