ادِّخَارُهُ كَالتَّمْرِ بِنَوَاهُ فَقَدْ «سُئِلَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ فَقَالَ: أَيَنْقُصُ الرُّطَبُ إذَا يَبِسَ؟ فَقَالُوا: نَعَمْ فَنَهَى عَنْ ذَلِكَ» ، وَفِي رِوَايَةٍ «فَلَا إذَنْ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ فِيهِ إشَارَةً إلَى أَنَّ الْمُمَاثَلَةَ تُعْتَبَرُ عِنْدَ الْجَفَافِ وَقِيسَ بِالرُّطَبِ غَيْرُهُ وَمَثَّلَ لِحَالِ الْكَمَالِ بِقَوْلِهِ: (كَسَمْنٍ وَلَبَنْ) ، وَلَوْ حَامِضًا، وَرَائِبًا وَخَاثِرًا مَا لَمْ يَكُنْ مُغْلًى بِالنَّارِ، وَلَا يُبَالِي بِكَوْنِ مَا يَحْوِيهِ الْمِكْيَالُ مِنْ الْخَاثِرِ أَكْثَرَ وَزْنًا، لَكِنْ لَا يُبَاعُ الْحَلِيبُ إلَّا بَعْدَ سُكُونِ رَغْوَتِهِ (وَمَحْضِ مَخْضٍ) أَيْ: خَالِصٍ مَخِيضٍ بِإِضَافَةِ الصِّفَةِ إلَى الْمَوْصُوفِ أَيْ: وَكَمَخِيضٍ خَالِصٍ مِنْ الْمَاءِ، أَوْ نَحْوِهِ، بِخِلَافِ الْمَخْلُوطِ بِهِ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ بِمِثْلِهِ، وَلَا بِخَالِصٍ لِلْجَهْلِ بِالْمُمَاثَلَةِ. وَلَمَّا كَانَ الْغَالِبُ خَلْطُ الْمَخِيضِ بِالْمَاءِ عَطَفَهُ عَلَى اللَّبَنِ، وَإِنْ كَانَ قِسْمًا مِنْهُ وَقَيَّدَهُ بِالْمَحْضِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرُهُ مُقَيَّدًا بِهِ أَيْضًا (وَ) مِثْلِ (الزَّبِيبِ، وَالتَّمِرْ مَعَ النَّوَى) فِيهِمَا، بِخِلَافِ مَا إذَا نُزِعَ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّهُمَا حِينَئِذٍ لَا بَقَاءَ لَهُمَا، بِخِلَافِ الْمِشْمِشِ، وَالْخَوْخِ وَنَحْوِهِمَا؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ فِي تَجْفِيفِهَا نَزْعُ النَّوَى.
وَحَرَّكَ مِيمَ التَّمْرِ لِلْوَقْفِ بِنَقْلِ حَرَكَةِ الرَّاءِ إلَيْهَا أَوْ لِلْوَزْنِ وَاخْتَارَ كَسْرَهَا؛ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ فِي تَحْرِيكِ السَّاكِنِ وَلِأَنَّهُ أَنْسَبُ بِالرَّوِيِّ (وَمَاءِ رُمَّانٍ عُصِرْ) أَيْ وَكَعَصِيرِ رُمَّانٍ (وَعِنَبٍ وَرُطَبٍ وَقَصَبِ مَحْضٍ) أَيْ: خَالِصٍ مِنْ الْمَاءِ، وَالتَّصْرِيحُ هُنَا بِمَحْضٍ مِنْ زِيَادَتِهِ وَخَرَجَ بِهِ الْعَصِيرُ الْمَخْلُوطُ بِالْمَاءِ، أَوْ نَحْوِهِ (وَ) مِثْلِ (خَلِّ عِنَبٍ وَرُطَبِ) وَرُمَّانٍ وَقَصَبٍ إنْ جَاءَ مِنْهُمَا خَلٌّ، بِخِلَافِ خَلِّ الزَّبِيبِ، وَالتَّمْرِ؛ لِخَلْطِهِمَا بِالْمَاءِ فَيَمْتَنِعُ بَيْعُ خَلِّ كُلٍّ مِنْهُمَا بِمِثْلِهِ وَبِخَلِّ الْآخَرِ وَبَيْعُ خَلٍّ الرُّطَبِ بِخَلِّ التَّمْرِ وَخَلِّ الْعِنَبِ بِخَلِّ الزَّبِيبِ
ـــــــــــــــــــــــــــــSبِقَبْضِ الْمَبِيعِ الْمُعَيَّنِ وَإِنْ اسْتَحَقَّ الْبَائِعُ الْحَبْسَ حَجَرٌ
(قَوْلُهُ: فَقَالَ: أَيَنْقُصُ إلَخْ) وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يَعْلَمُ أَنَّهُ يَنْقُصُ، إذَا يَبِسَ وَإِنَّمَا سَأَلَهُمْ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ عِلَّةَ الْمَنْعِ. (قَوْلُهُ: مَا لَمْ يَكُنْ مُغْلًى بِالنَّارِ) قَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ: بِخِلَافِ الْمُسَخَّنِ بِهَا بِلَا غَلَيَانٍ كَمَا قَالَهُ الرُّويَانِيُّ. اهـ. وَقَوْلُهُ: مَا لَمْ يَكُنْ أَيْ: اللَّبَنُ بِخِلَافِ السَّمْنِ فَإِنَّ نَارَهُ لَا تَضُرُّ؛ لِأَنَّهَا لِلتَّمْيِيزِ كَذَا بِخَطِّ شَيْخِنَا وَفِي الْجَوَاهِرِ لَوْ عُقِدَتْ النَّارُ أَجْزَأَهُ السَّمْنُ لَمْ يَجُزْ بَيْعُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ.
(قَوْلُهُ: لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ بِمِثْلِهِ) وَتَقَدَّمَ قُبَيْلَ وَكُلَّ صَاعٍ أَنَّهُ لَوْ شَيَّبَ اللَّبَنَ بِالْمَاءِ بَطَلَ فَهَلْ الْمَخِيضُ مِنْهُ أَوْ يُفَرَّقُ فَيَصِحُّ هُنَا؟ . وَقَدْ بَحَثَ أَبُو زُرْعَةَ أَنَّ الْمَاءَ لَوْ قُصِدَ خَلْطَهُ بِاللَّبَنِ لِنَحْوِ حُمُوضَتِهِ، وَكَانَ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ صَحَّ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ كَخَلْطِ غَيْرِ الْمِسْكِ بِهِ لِلتَّرْكِيبِ. (قَوْلُهُ: لِلْجَهْلِ بِالْمُمَاثَلَةِ) نَعَمْ يُعْفَى عَنْ يَسِيرِ مَا لَا يُؤَثِّرُ فِي الْكَيْلِ فِي مَخِيضٍ يَتَوَقَّفُ فَصْلُ الزُّبْدِ مِنْهُ عَلَيْهِ حَجَرٌ.
(قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ قِسْمًا مِنْهُ إلَخْ) أَيْ: وَأَيْضًا فَالْخَالِصُ مِنْ الْمَاءِ لَا يُبَاعُ بِاللَّبَنِ كَغَيْرِ الْخَالِصِ؛ لِأَنَّ اللَّبَنَ لَا يُبَاعُ بِمَا اتَّخَذَ مِنْهُ مِنْ سَمْنٍ وَمَخِيضٍ وَغَيْرِهِمَا. (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ مَا، إذَا نُزِعَ مِنْهُمَا) نَعَمْ لَوْ خُلِقَا بِلَا نَوًى جَازَ بِرّ. (قَوْلُهُ: وَمَاءِ رُمَّانٍ عُصِرَ) أَحْسَنُ مِنْ هَذَا قَوْلُ الْإِرْشَادِ وَعَصِيرُ كُلِّ مَطْعُومٍ وَخَلُّهُ بِلَا مَاءٍ أَيْ: فِيهِمَا بِرّ. (قَوْلُهُ: فَيَمْتَنِعُ بَيْعُ خَلِّ كُلٍّ مِنْهُمَا بِمِثْلِهِ وَبِخَلِّ الْآخَرِ) أَيْ:؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ قَاعِدَةِ مُدِّ عَجْوَةٍ، وَوَجْهُهُ فِي الثَّالِثَةِ كَوْنُ الْمَاءِ رِبَوِيًّا وَهُوَ مَوْجُودٌ فِي الطَّرَفَيْنِ أَقُولُ: هَذَا يُشْكِلُ عَلَيْهِ أَمْرَانِ: الْأَوَّلُ مَا سَيَأْتِي أَنَّ الضِّمْنِيَّ، إذَا كَانَ فِي الطَّرَفَيْنِ لَا يَضُرُّ، الثَّانِي مَسْأَلَةُ الدَّارَيْنِ، إذَا كَانَ
ـــــــــــــــــــــــــــــQاهـ. ع ش عَلَى م ر. (قَوْله فِيهِ إشَارَةٌ إلَخْ) قَالَ الرَّشِيدِيُّ: الْأَوْلَى فِيهِ إيمَاءٌ؛ لِأَنَّ هَذَا مِنْ دَلَالَةِ الْإِيمَاءِ لَا الْإِشَارَةِ. اهـ. وَدَلَالَةُ الْإِيمَاءِ أَنْ يُفْهَمَ مِنْ عَرَضِ الْكَلَامِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَدُلَّ الْكَلَامُ عَلَيْهِ إجْمَالًا كَقَوْلِهِ: لَمْ أَتَنَاوَلْ شَيْئًا مِنْ الْأَمْسِ إلَى الْآنَ وَدَلَالَةُ الْإِشَارَةِ أَنْ يَدُلَّ الْكَلَامُ عَلَيْهِ إجْمَالًا كَقَوْلِهِ: تَصَدَّقَ عَلَى الْفُقَرَاءِ وَهُوَ مِنْهُمْ. اهـ. بَعْضُ مَشَايِخِنَا.
(قَوْلُهُ: فِيهِ إشَارَةٌ إلَخْ) لِأَنَّ نُقْصَانَ الرُّطَبِ بِالْجَفَافِ، أَوْضَحُ مِنْ أَنْ يَسْأَلَ عَنْهُ فَكَانَ الْغَرَضُ مِنْ السُّؤَالِ الْإِشَارَةَ إلَى ذَلِكَ وَمِنْ ثَمَّ تَعْلَمُ أَنَّ امْتِنَاعَ بَيْعِ الرُّطَبِ بِالْجَفَافِ لِتَحَقُّقِ النُّقْصَانِ وَامْتِنَاعَ الرُّطَبِ بِالرُّطَبِ لِجَهْلِ الْمُمَاثَلَةِ. اهـ. مم عَنْ الْإِسْنَوِيِّ.
(قَوْلُهُ: أَوْ خَاثِرًا) الْمُرَادُ مَا بَيْنَ الْحَلِيبِ، وَالرَّائِبِ. اهـ. شَرْحُ مَنْهَجٍ. (قَوْلُهُ: مَا لَمْ يَكُنْ مُغْلًى بِالنَّارِ) وَفَارَقَ الْمَاءَ الْمَغْلِيَّ؛ لِأَنَّ الذَّاهِبَ مِنْهُ مَاءٌ مِنْ جِنْسِهِ. اهـ. ق ل عَلَى الْجَلَالِ.
(قَوْلُهُ: أَكْثَرُ وَزْنًا) قِيلَ إنَّهُ أَكْثَرُ كَيْلًا أَيْضًا وَفِيهِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ لِتَسَاوِي الْمِكْيَالِ فِيهِمَا نَعَمْ أَكْثَرُ وَزْنًا، لَكِنْ لَا يُعْتَبَرُ الْوَزْنُ فِي الْكَيْلِ.
(قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الْمَخْلُوطِ) أَيْ: لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ. اهـ. ق ل عَلَى الْجَلَالِ وَقَيَّدَهُ حَجَرٌ بِأَنْ لَا يَظْهَرُ فِي الْمِكْيَالِ فَرَاجِعْهُ. (قَوْلُهُ: لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ بِمِثْلِهِ إلَخْ) بَلْ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ مُطْلَقًا لِلْجَهْلِ بِاللَّبَنِ الْمَقْصُودِ كَذَا بِخَطِّ شَيْخِنَا بِهَامِشِ الْمَحَلِّيِّ، وَفِي الْعُبَابِ وَغَيْرِهِ وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ مَا خَالَطَهُ مَاءٌ. اهـ. سم عَلَى الْمَنْهَجِ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ قِسْمًا مِنْهُ) أَيْ: مِنْ مُطْلَقِ اللَّبَنِ فَمُطْلَقُهُ قِسْمٌ، وَكُلٌّ مِنْ اللَّبَنِ بِحَالِهِ، وَالْحَامِضِ، وَالرَّائِبِ وَمَا بَعْدَهُ أَقْسَامٌ لَهُ وَكُلٌّ مِنْهَا مَعَ غَيْرِهِ قَسِيمٌ لَهُ.
(قَوْلُهُ: فَيَمْتَنِعُ بَيْعُ خَلِّ كُلٍّ مِنْهُمَا إلَخْ) وَقَدْ نَظَمَ بَعْضُهُمْ مَسْأَلَةَ الْخُلُولِ بِقَوْلِهِ
مَسَائِلُ الْخُلُولِ عَشْرَةٌ حَصَرْت ... فَخَمْسَةٌ حَلَّتْ وَخَمْسٌ حَرُمَتْ
مَسَائِلُ الْجَوَازِ خَلُّ الْعِنَبْ ... بِمِثْلِهِ كَذَاك خَلُّ الرُّطَبْ
بِمِثْلِهِ أَيْضًا وَخَلُّ التَّمْرِ ... بِخَلِّ أَعْنَابٍ نَفِيسِ الْقَدْرِ
وَخَلُّ أَعْنَابٍ بِخَلٍّ مِنْ رُطَبْ ... وَهْوَ بِمَا مِنْ الزَّبِيبِ يُنْتَخَبْ
وَخَمْسَةُ الْحَظْرِ فَخَلٌّ مِنْ رُطَبْ ... بِخَلِّ تَمْرٍ وَالزَّبِيبُ بِالْعِنَبْ
وَخَلُّ تَمْرٍ بَاطِلٌ بِمِثْلِهِ ... وَمَعْ زَبِيبٍ بَاطِلٌ مِنْ أَصْلِهِ
خَلُّ زَبِيبٍ بَيْعُهُ بِخَلِّهِ ... قَدْ حَرَّمُوهُ لَا تَقُلْ بِحِلِّهِ
(قَوْلُهُ: خَلُّ الْعِنَبِ بِخَلِّ الزَّبِيبِ) وَيَجُوزُ بَيْعُ عَصِيرِ الْعِنَبِ، أَوْ الرُّطَبِ بِمِثْلِهِ مُتَفَاضِلًا؛ لِأَنَّهُمَا جِنْسَانِ