يُنَافِي هَذَا رَفْعَهَا فِي شَعْبَانَ كَمَا فِي خَبَرِ مُسْنَدِ أَحْمَدَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُئِلَ عَنْ إكْثَارِهِ الصَّوْمَ فِي شَعْبَانَ فَقَالَ: إنَّهُ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الْأَعْمَالُ فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ» لِجَوَازِ رَفْعِ أَعْمَالِ الْأُسْبُوعِ مُفَصَّلَةً وَأَعْمَالِ الْعَامِ جُمْلَةً (وَ) كَصَوْمِهِ (الدَّهْرَ) لِإِطْلَاقِ الْأَدِلَّةِ؛ وَلِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ صَامَ الدَّهْرَ ضُيِّقَتْ عَلَيْهِ جَهَنَّمُ هَكَذَا وَعَقَدَ تِسْعِينَ» رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ.
(لَا) صَوْمِهِ (التَّشْرِيقَ، وَالْعِيدَيْنِ) أَيْ أَيَّامَهَا فَإِنَّهُ حَرَامٌ كَمَا مَرَّ وَذِكْرُهُ هُنَا مِنْ زِيَادَةِ النَّظْمِ وَمَحَلُّ نَدْبِ صَوْمِ الدَّهْرِ إذَا لَمْ يَخَفْ مِنْهُ ضَرَرًا، أَوْ فَوْتَ حَقٍّ وَإِلَّا فَهُوَ مَكْرُوهٌ وَعَلَيْهِ حُمِلَ خَبَرُ مُسْلِمٍ «لَا صَامَ مَنْ صَامَ الدَّهْرَ» وَحَيْثُ لَا يُكْرَهُ قَالَ: يُكْرَهُ قَالَ الْمُتَوَلِّي: صَوْمُ يَوْمٍ وَإِفْطَارُ يَوْمٍ أَفْضَلُ مِنْ صَوْمِ الدَّهْرِ وَاخْتَارَهُ السُّبْكِيُّ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ «أَفْضَلُ الصِّيَامِ صِيَامُ دَاوُد - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ يَصُومُ يَوْمًا وَيُفْطِرُ يَوْمًا» وَفِيهِ أَيْضًا «لَا أَفْضَلُ مِنْ ذَلِكَ» لَكِنْ فِي فَتَاوَى ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّ الْعَكْسَ أَفْضَلُ؛ لِأَنَّ الْحَسَنَةَ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا وَقَوْلُهُ: فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ «وَلَا أَفْضَلُ مِنْ ذَلِكَ» أَيْ لَك وَيُسَنُّ صَوْمُ شَعْبَانَ، وَالْأَشْهُرِ الْحُرُمِ ذِي الْقَعْدَةِ وَذِي الْحِجَّةِ، وَالْمُحَرَّمِ وَرَجَبٍ وَأَفْضَلُهَا الْمُحَرَّمُ وَيُكْرَهُ إفْرَادُ كُلٍّ مِنْ الْجُمُعَةِ، وَالسَّبْتِ، وَالْأَحَدِ بِالصَّوْمِ
(بَابُ الِاعْتِكَافِ) هُوَ لُغَةً اللُّبْثُ، وَالْحَبْسُ، وَالْمُلَازَمَةُ عَلَى الشَّيْءِ خَيْرًا كَانَ أَوْ شَرًّا قَالَ تَعَالَى {وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة: 187] وَقَالَ {فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ} [الأعراف: 138] يُقَالُ: اعْتَكَفَ وَعَكَفَ يَعْكُفُ وَيَعْكِفُ بِضَمِّ الْكَافِ وَكَسْرِهَا عَكْفًا وَعُكُوفًا وَعَكَفْتُهُ أَعْكِفُهُ بِكَسْرِ الْكَافِ عَكْفًا لَا غَيْرُ يُسْتَعْمَلُ لَازِمًا وَمُتَعَدِّيًا كَرَجَعَ وَرَجَعْته وَشَرْعًا اللُّبْثُ فِي الْمَسْجِدِ مِنْ شَخْصٍ مَخْصُوصٍ بِنِيَّتِهِ، وَالْأَصْلُ فِيهِ الْإِجْمَاعُ، وَالْأَخْبَارُ كَخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «إنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اعْتَكَفَ الْعَشْرَ الْأَوْسَطَ مِنْ رَمَضَانَ ثُمَّ اعْتَكَفَ الْعَشْرَ الْأَوَاخِرَ وَلَازَمَهُ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ ثُمَّ اعْتَكَفَ أَزْوَاجُهُ مِنْ بَعْدِهِ» وَخَبَرُ الْبُخَارِيِّ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اعْتَكَفَ عَشْرًا مِنْ شَوَّالٍ» قَالَ جَمَاعَةٌ: وَهُوَ
ـــــــــــــــــــــــــــــSصَوْمٌ مُؤَقَّتٌ، أَوْ اتَّخَذَهُ وِرْدًا سُنَّ لَهُ قَضَاؤُهُ اهـ.
وَهُوَ يُفِيدُ سَنَّ قَضَاءِ الْخَمِيسِ، وَالِاثْنَيْنِ وَسِتِّ شَوَّالٍ إذَا فَاتَ ذَلِكَ (قَوْلُهُ: ضُيِّقَتْ عَلَيْهِ) أَيْ عَنْهُ، أَوْ ضُيِّقَتْ عَلَيْهِ أَيْ لَا يَكُونُ لَهُ فِيهَا مَوْضِعٌ مَجْمُوعٌ بِرّ (قَوْلُهُ: قَالَ الْمُتَوَلِّي إلَخْ) وَلَوْ صَادَفَ يَوْمُ فِطْرِهِ مَا يُسَنُّ صَوْمُهُ كَعَرَفَةَ وَعَاشُورَاءَ فَالْأَفْضَلُ صَوْمُهُ وَلَا يَكُونُ صَوْمُهُ مَانِعًا مِنْ فَضْلِ صَوْمِ يَوْمٍ وَفِطْرِ يَوْمٍ م ر (قَوْلُهُ: وَأَفْضَلُهَا الْمُحَرَّمُ) وَبَعْدَهُ رَجَبٌ، ثُمَّ الْحِجَّةُ وَمَعْلُومٌ أَنَّ عَشْرَ ذِي الْحِجَّةِ أَفْضَلُ مِنْ مِثْلِهَا مِنْ رَجَبٍ لَا مِنْ جَمِيعِهِ وَإِلَّا نَافَى تَقْدِيمَ رَجَبٍ، وَمِنْ لَازِمِ تَقْدِيمِهِ أَنَّ مَجْمُوعَهُ أَفْضَلُ مِنْ مَجْمُوعِ ذِي الْحِجَّةِ وَإِلَّا فَلَا تَقْدِيمَ فَلْيُتَأَمَّلْ.
(بَابُ الِاعْتِكَافِ)
ـــــــــــــــــــــــــــــQأَيْضًا كَمَا فِي حَدِيثِ الْبُخَارِيِّ «يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ مَلَائِكَةٌ بِاللَّيْلِ وَمَلَائِكَةٌ بِالنَّهَارِ فَيَسْأَلُهُمْ رَبُّهُمْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِهِمْ فَيَقُولُ كَيْفَ تَرَكْتُمْ عِبَادِي؟ فَيَقُولُونَ تَرَكْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ وَأَتَيْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ» فَيَكُونُ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْأَعْمَالَ تُعْرَضُ عَلَى اللَّهِ كُلَّ يَوْمٍ اهـ.
تَقْرِيرُ شَيْخِنَا مَرْصِفِيٍّ، وَقَدْ يُقَالُ: أَنَّ مَا فِي الْحَدِيثِ إنَّمَا هُوَ عَرْضُ الصَّلَاةِ فَقَطْ لَا جَمِيعِ الْأَعْمَالِ اهـ.
مَرْصِفِيٌّ لَكِنْ بِهَامِشٍ عَنْ الْمَدَابِغِيِّ أَنَّهَا تُعْرَضُ عَلَى اللَّهِ تَفْصِيلًا كُلَّ يَوْمٍ وَكُلَّ لَيْلَةٍ (قَوْلُهُ: مَنْ صَامَ الدَّهْرَ ضُيِّقَتْ عَلَيْهِ جَهَنَّمُ) أَيْ عَنْهُ، أَوْ ضُيِّقَتْ عَلَيْهِ أَيْ لَا يَكُونُ لَهُ فِيهَا مَوْضِعٌ (قَوْلُهُ: وَعَقَدَ تِسْعِينَ) وَهُوَ أَنْ يَرْفَعَ الْإِبْهَامَ وَيَجْعَلَ السَّبَّابَةَ دَاخِلَةً تَحْتَهُ مَطْبُوقَةً جِدًّا اهـ.
مُحَلَّى (قَوْلُهُ: صَوْمُ يَوْمٍ وَإِفْطَارُ يَوْمٍ أَفْضَلُ) وَلَوْ وَافَقَ يَوْمُ فِطْرِهِ يَوْمَ خَمِيسٍ، أَوْ عَرَفَةَ فَصَوْمُهُ أَفْضَلُ عَلَى مَا اعْتَمَدَهُ ح ف وَخَالَفَ ق ل عَلَى الْجَلَالِ (قَوْلُهُ: لَكِنْ فِي فَتَاوَى إلَخْ) رُدَّ بِأَنَّ صِيَامَ دَاوُد أَشَقُّ عَلَى النَّفْسِ وَأَفْضَلُ الْأَعْمَالِ أَشَقُّهَا وَبِأَنَّ تَأْوِيلَهُ لِلْخَبَرِ صَرْفٌ لَهُ عَنْ الظَّاهِرِ بِلَا قَرِينَةٍ اهـ.
م ر فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ (قَوْلُهُ: ذِي الْقَعْدَةِ) هُوَ أَوَّلُهَا عَلَى الْمُعْتَمَدِ عِنْدَ شَيْخِنَا أَيْ ز ي اهـ.
ق ل عَلَى الْجَلَالِ وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا مِنْ سَنَتَيْنِ فَلَوْ نَذَرَ صَوْمَهَا مُرَتَّبَةً فَيَبْتَدِئُ عَلَيْهِ بِذِي الْقَعْدَةِ اهـ.
شَيْخُنَا ذ (قَوْلُهُ: وَيُكْرَهُ إفْرَادُ إلَخْ) خَرَجَ مَا لَوْ صَامَ أَحَدَهَا مَعَ يَوْمٍ قَبْلَهُ، أَوْ بَعْدَهُ فَلَا كَرَاهَةَ وَفِي الْإِيعَابِ نَقْلًا عَنْ الْمَجْمُوعِ الْعَزْمُ عَلَى وَصْلِهِ بِمَا بَعْدَهُ يَدْفَعُ كَرَاهَةَ إفْرَادِهِ إذَا طَرَأَ لَهُ عَدَمُ صَوْمِ مَا بَعْدَهُ وَلَوْ لِغَيْرِ عُذْرٍ وَفِي التُّحْفَةِ وَلَا نَظِيرَ لِهَذَا فِي أَنَّهُ إذَا ضُمَّ مَكْرُوهٌ لِمَكْرُوهٍ آخَرَ تَزُولُ الْكَرَاهَةُ قَالَ فِي التُّحْفَةِ وَلَا يُكْرَهُ إفْرَادُ عِيدٍ مِنْ أَعْيَادِ أَهْلِ الْمِلَلِ لِلصَّوْمِ كَالنَّيْرُوزِ وَكَانَ الْفَرْقُ أَنَّ هَذَا لَمْ يَشْتَهِرْ فَلَا يُتَوَهَّمُ فِيهِ تَشْبِيهٌ اهـ.
[بَابُ الِاعْتِكَافِ]
(بَابُ الِاعْتِكَافِ) (قَوْلُهُ: اللُّبْثُ) أَيْ: الْإِقَامَةُ عَلَى الشَّيْءِ، وَالْحَبْسُ أَيْ: حَبْسُ النَّفْسِ عَلَيْهِ، وَالْمُلَازَمَةُ أَيْ: الْمُدَاوَمَةُ عَلَيْهِ فَعَلَيْهِ مُتَعَلِّقٌ بِالثَّلَاثَةِ كَمَا فِي ع ش وَانْظُرْ لِمَ جَمَعْت تِلْكَ الثَّلَاثَةَ، وَالْمَقْصُودُ وَاحِدٌ وَإِنْ اخْتَلَفَ الْمَفْهُومُ (قَوْلُهُ: اللُّبْثُ فِي الْمَسْجِدِ) أَيْ: اللُّبْثُ الْمَخْصُوصُ بِأَنْ يَكُونَ زَائِدًا عَلَى مِقْدَارِ الطُّمَأْنِينَةِ نِيَّتُهُ بِنِيَّةِ الِاعْتِكَافِ مِنْ الشَّخْصِ الْمَخْصُوصِ الْمُسْلِمِ الْعَاقِلِ الطَّاهِرِ عَنْ الْحَدَثِ الْأَكْبَرِ
(قَوْلُهُ: فِي الْمَسْجِدِ) مِثْلُهُ الطَّوَافُ وَتَحِيَّةُ الْمَسْجِدِ وَلَا ثَالِثَ لَهُمَا (قَوْلُهُ: قَالَ جَمَاعَةٌ إلَخْ) كَانَ وَجْهُ التَّبَرِّي مَا قِيلَ لَعَلَّ ذَلِكَ بِاعْتِبَارِ مَعْنَاهُ اللُّغَوِيِّ بِدَلِيلِ آيَةِ