(فَأَتْلَفَتْ) قَبْلَ قَبْضِهَا (مَتَاعَا لِلْمُشْتَرِي) عَيَّنَهُ لِلثَّمَنِ أَمْ لَا (يَضْمَنُهُ مَنْ بَاعَا) أَيْ: الشِّيَاهَ (؛ لِأَنَّهَا فِي يَدِهِ) ، وَأَتْلَفَتْ مِلْكَ غَيْرِهِ، فَيَضْمَنُهُ (ضَمَانَ) أَيْ: مِثْلَ ضَمَانِ (مَنْ تُعَارُ مِنْهُ) الْبَهِيمَةُ مَا أَتْلَفَتْهُ (لِمُعِيرِهَا إذَنْ) أَيْ: حِينَ أَتْلَفَتْهُ، وَهِيَ بِيَدِ الْمُسْتَعِيرِ، وَلَمْ يُقَيِّدْ الْبَغَوِيّ بِكَوْنِهَا مُعَارَةً، بَلْ عَبَّرَ بِكَوْنِهَا مِلْكًا لِغَيْرِهِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ فَذِكْرُ النَّاظِمِ كَالشَّيْخَيْنِ الْمُعَارَةَ مِثَالٌ، أَمَّا إذَا اشْتَرَاهَا بِثَمَنٍ مُعَيَّنٍ فَأَتْلَفَتْهُ، وَلَوْ قَبْلَ قَبْضِهِ، فَلَا يَضْمَنُهُ الْبَائِعُ لِأَنَّهَا أَتْلَفَتْ مِلْكَهُ لَكِنَّهُ يَصِيرُ قَابِضًا لَهُ بِذَلِكَ كَمَا مَرَّ فِي مَحَلِّهِ، وَأَفْتَى أَيْضًا بِأَنَّهُ لَوْ أَلْقَى نُخَامَةً فِي الْحَمَّامِ فَزَلِقَ بِهَا آخَرُ ضَمِنَ إنْ أَلْقَاهَا فِي الْمَمَرِّ قَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ، وَغَيْرُهُ، وَلَوْ أَرْسَلَ الطُّيُورَ كَالْحَمَامِ فَكَسَرَتْ شَيْئًا، أَوْ الْتَقَطَتْ حَبًّا، فَلَا ضَمَانَ لِأَنَّ الْعَادَةَ جَرَتْ بِإِرْسَالِهَا.
(بَابُ السِّيَرِ) جَمْعُ سِيرَةٍ وَهِيَ الطَّرِيقَةُ وَالْمَقْصُودُ مِنْهُ أَصَالَةً الْجِهَادُ الْمُتَلَقَّى تَفْصِيلُهُ مِنْ سِيَرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي غَزَوَاتِهِ فَلِهَذَا تَرْجَمَ النَّاظِمُ كَكَثِيرٍ بِهَا وَبَعْضُهُمْ بِالْجِهَادِ وَبَعْضُهُمْ بِقِتَالِ الْمُشْرِكِينَ
، وَالْأَصْلُ فِيهِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ آيَاتٌ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ} [البقرة: 216] {وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً} [التوبة: 36] {وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [النساء: 89] ، وَأَخْبَارٌ كَخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ» ، وَخَبَرِ مُسْلِمٍ «لَغَدْوَةٌ أَوْ رَوْحَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا» وَكَانَ الْجِهَادُ قَبْلَ الْهِجْرَةِ مُحَرَّمًا ثُمَّ أُمِرَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَهَا بِقِتَالِ مَنْ قَاتَلَهُ ثُمَّ أُبِيحَ الِابْتِدَاءُ بِهِ فِي غَيْرِ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ ثُمَّ أُمِرَ بِهِ مُطْلَقًا
وَالْجِهَادُ قَدْ يَكُونُ فَرْضَ عَيْنٍ وَقَدْ يَكُونُ فَرْضَ كِفَايَةٍ؛ لِأَنَّ الْكُفَّارَ إنْ دَخَلُوا بِلَادَنَا أَوْ أَسَرُوا مُسْلِمًا يُتَوَقَّعُ فَكُّهُ فَفَرْضُ عَيْنٍ وَسَيَأْتِي، وَإِنْ كَانُوا بِبِلَادِهِمْ فَفَرْضُ كِفَايَةٍ كَمَا قَالَ (إنَّ الْجِهَادَ) مِنَّا لِلْكُفَّارِ (فِي أَهَمِّ الْأَمْكِنَهْ) إنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ الْإِمَامُ مِنْهُ فِي جَمِيعِهَا وَفِي جَمِيعِهَا إنْ تَمَكَّنَ فَرْضُ كِفَايَةٍ لَا عَيْنٍ وَإِلَّا لَتَعَطَّلَ الْمَعَاشُ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى {لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [النساء: 95] الْآيَةَ ذَكَرَ فَضْلَ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ وَوَعَدَ كُلًّا الْحُسْنَى وَالْعَاصِي لَا يُوعَدُ بِهَا وَفِي خَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «مَنْ جَهَّزَ غَازِيًا فَقَدْ غَزَا وَمَنْ خَلَفَهُ فِي أَهْلِهِ بِخَيْرٍ فَقَدْ غَزَا» ، وَالْجِهَادُ فَرْضُ كِفَايَةٍ (وَإِنْ خَشِي) الْإِمَامُ (اللُّصُوصَ) فِي الطَّرِيقِ فَلَا يَسْقُطُ بِذَلِكَ لِبِنَائِهِ عَلَى مُصَادَمَةِ الْمَخَاوِفِ بِخِلَافِ الْحَجِّ وَأَقَلُّهُ (فِي كُلِّ سَنَهْ) مَرَّةً (وَاحِدَةً) لِفِعْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَهُ مُنْذُ أُمِرَ بِهِ كُلَّ سَنَةٍ، فَكَانَتْ غَزْوَةُ بَدْرٍ فِي الثَّانِيَةِ، وَأُحُدٍ فِي الثَّالِثَةِ، وَذَاتِ الرِّقَاعِ فِي الرَّابِعَةِ، وَالْخَنْدَقِ فِي الْخَامِسَةِ، وَالْمُرَيْسِيعِ فِي السَّادِسَةِ، وَفَتْحِ خَيْبَرَ فِي السَّابِعَةِ، وَمَكَّةَ فِي الثَّامِنَةِ، وَتَبُوكَ فِي التَّاسِعَةِ؛ وَلِأَنَّ الْجِزْيَةَ لِكَفِّ الْقِتَالِ، وَإِنَّمَا تُؤْخَذُ فِي كُلِّ سَنَةٍ مَرَّةً وَكَذَا سَهْمُ الْغُزَاةِ فَلَا بُدَّ مِنْ جِهَادٍ فِيهَا فَإِنْ دَعَتْ لِتَأْخِيرِهِ ضَرُورَةٌ بِأَنْ كَانَ بِنَا ضَعْفٌ أَوْ حَاجَةٌ كَأَنْ عَزَّ الزَّادُ أَوْ الْعَلَفُ فِي الطَّرِيقِ أُخِّرَ لِزَوَالِهَا وَإِنْ دَعَتْ الْحَاجَةُ لِأَكْثَرَ مِنْ مَرَّةٍ وَجَبَ ذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ قَالَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ: وَتَحْصُلُ الْكِفَايَةُ بِشَيْئَيْنِ: أَحَدِهِمَا أَنْ
ـــــــــــــــــــــــــــــSقَوْلُهُ: مِلْكًا لِغَيْرِهِ) يَدْخُلُ فِيهِ الْمُودِعُ بِكَسْرِ الدَّالِ (قَوْلُهُ: لَكِنَّهُ يَصِيرُ) يُرَاجَعُ مَا إذَا كَانَ بِحَيْثُ لَا يَضْمَنُ مُتْلَفَهَا (قَوْلُهُ: كَمَا مَرَّ فِي مَحِلِّهِ) يُرَاجَعُ.
[بَابُ السِّيَرِ]
(بَابُ السِّيَرِ) (قَوْلُهُ: أَصَالَةً) احْتِرَازٌ عَمَّا قُصِدَ تَبَعًا كَمَبَاحِثِ فُرُوضِ الْكِفَايَاتِ، وَمَبَاحِثِ السَّلَامِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ وَلَيْسَ احْتِرَازًا عَنْ السِّيَرِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُبَيِّنْهَا فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: فَلِهَذَا تَرْجَمَ النَّاظِمُ كَكَثِيرٍ بِهَا) فَكَانَ الْمَعْنَى بِأَنَّ مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ السِّيَرُ مِنْ أَحْكَامِ الْجِهَادِ. (قَوْلُهُ: وَكَانَ الْجِهَادُ قَبْلَ الْهِجْرَةِ مُحَرَّمًا إلَخْ) اُنْظُرْ كَيْفَ التَّوْفِيقُ بَيْنَ هَذَا وَقَوْلِهِ فِي الْمِنْهَاجِ وَشَرْحِهِ هُوَ يَعْنِي الْجِهَادَ بَعْدَ الْهِجْرَةِ وَلَوْ فِي عَهْدِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْكُفَّارُ بِبِلَادِهِمْ كُلُّ عَامٍ وَلَوْ مَرَّةً فَرْضُ كِفَايَةٍ كَذَا بِخَطِّ شَيْخِنَا الشِّهَابِ وَأَقُولُ كَلَامُ الْمَنْهَجِ وَشَرْحِهِ إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ هُنَا، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ مُطْلَقًا فَإِنَّهُ صَادِقٌ بِكَوْنِهِ فَرْضَ كِفَايَةٍ إذَا كَانَ الْكُفَّارُ بِبِلَادِهِمْ وَهُوَ لَا يُنَافِي ثُبُوتَ الْمَرَاتِبِ الْمَذْكُورَةِ قَبْلَ ذَلِكَ فَلْيُتَأَمَّلْ
(قَوْلُهُ: وَذَاتِ الرِّقَاعِ فِي الرَّابِعَةِ إلَخْ) الْوَجْهُ أَنَّ الْخَنْدَقَ فِي الرَّابِعَةِ، وَذَاتَ الرِّقَاعِ فِي الْخَامِسَةِ بِدَلِيلِ مَا ثَبَتَ مِنْ «أَنَّ ابْنَ عُمَرَ عُرِضَ فِي أُحُدٍ وَهُوَ ابْنُ أَرْبَعَ عَشَرَةَ فَلَمْ يُجِزْهُ، ثُمَّ عُرِضَ فِي الْخَنْدَقِ وَهُوَ ابْنُ خَمْسَ عَشَرَةَ» كَذَا بِخَطِّ شَيْخِنَا الشِّهَابِ، وَحَاصِلُهُ أَنَّ قَضِيَّةَ ابْنِ عُمَرَ تَقْتَضِي أَنَّ أُحُدًا وَالْخَنْدَقَ فِي سَنَتَيْنِ مُتَوَالِيَتَيْنِ فَكَيْفَ تَكُونُ ذَاتُ الرِّقَاعِ بَيْنَهُمَا فِي سَنَةٍ أُخْرَى وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ بِاحْتِمَالِ أَنَّ أُحُدًا كَانَتْ فِي أَوَاخِرِ الثَّالِثَةِ وَذَاتَ الرِّقَاعِ فِي أَوَاخِرِ الرَّابِعَةِ وَالْخَنْدَقَ فِي أَثْنَاءِ الْخَامِسَةِ وَأَنَّ رَابِعَةَ عَشَرَ ابْنِ عُمَرَ كَانَتْ مُلَفَّقَةً مِنْ أَوَاخِرِ الثَّالِثَةِ وَأَوَائِلِ الرَّابِعَةِ وَخَامِسَةَ عَشَرَةَ مُلَفَّقَةً مِنْ بَقِيَّةِ الرَّابِعَةِ وَأَوَائِلِ الْخَامِسَةِ، وَأَنَّ الْمُرَادَ بِكَوْنِهِ فِي أُحُدٍ ابْنُ أَرْبَعَ عَشَرَةَ أَنَّهُ طَعَنَ فِي الرَّابِعَةِ عَشَرَ، وَفِي الْخَنْدَقِ ابْنُ خَمْسَ عَشَرَ أَنَّهُ اسْتَكْمَلَهَا حِينَئِذٍ وَقَدْ صَدَقَ أَنَّ أُحُدًا، وَالْخَنْدَقَ فِي سَنَتَيْنِ مُتَوَالِيَتَيْنِ وَأَنَّ أُحُدًا فِي رَابِعَةِ عَشَرَ ابْنِ عُمَرَ وَالْخَنْدَقَ فِي خَامِسَةِ عَشَرِهِ وَأَنَّ ذَاتَ الرِّقَاعِ بَيْنَهُمَا فِي الرَّابِعَةِ فَلْيُتَأَمَّلْ، ثُمَّ رَأَيْته فِي شَرْحِ الرَّوْضِ قَالَ وَالْخَنْدَقُ فِي الرَّابِعَةِ وَذَاتُ الرِّقَاعِ، ثُمَّ دَوْمَةُ الْجَنْدَلِ وَبَنِي قُرَيْظَةَ فِي الْخَامِسَةِ، ثُمَّ قَالَ فِي آخِرِ الْكَلَامِ عَلَى خِلَافٍ فِي بَعْضِ ذَلِكَ جَرَى عَلَيْهِ الرَّافِعِيُّ وَتَبِعْته عَلَيْهِ فِي شَرْحِ الْبَهْجَةِ. اهـ.
(قَوْلُهُ: وَتَحْصُلُ الْكِفَايَةُ بِشَيْئَيْنِ إلَخْ)
ـــــــــــــــــــــــــــــQبَابُ السِّيَرِ) (قَوْلُهُ: فَكَانَتْ غَزْوَةُ بَدْرٍ إلَخْ) عِبَارَةُ شَرْحِ الرَّوْضِ فَكَانَتْ غَزْوَةُ بَدْرٍ الْكُبْرَى فِي الثَّانِيَةِ، وَأُحُدٍ، ثُمَّ بَدْرٍ الصُّغْرَى، ثُمَّ بَنِي النَّضِيرِ فِي الثَّالِثَةِ وَالْخَنْدَقِ فِي الرَّابِعَةِ، وَذَاتِ الرِّقَاعِ، ثُمَّ دَوْمَةِ الْجَنْدَلِ، وَبَنِي قُرَيْظَةَ فِي الْخَامِسَةِ، وَالْحُدَيْبِيَةِ وَبَنِي الْمُصْطَلِقِ فِي السَّادِسَةِ، وَخَيْبَرَ فِي السَّابِعَةِ وَمُؤْتَةَ، وَذَاتِ السَّلَاسِلِ وَفَتْحِ مَكَّةَ وَحُنَيْنٍ وَالطَّائِفِ فِي الثَّامِنَةِ وَتَبُوكَ فِي التَّاسِعَةِ عَلَى خِلَافٍ فِي بَعْضِ ذَلِكَ جَرَى عَلَيْهِ الرَّافِعِيُّ وَتَبِعْتُهُ عَلَيْهِ فِي شَرْحِ الْبَهْجَةِ.
اهـ.