عَفَا أَحَدُهُمْ عَلَى مَالٍ سَقَطَ حَقُّهُ مِنْ الْقِصَاصِ، وَكَانَ لِلْآخَرِينَ قَتْلُهُ، وَإِنْ بَطَلَ حَقُّ الْعَافِي عَنْ الرَّقِيقِ؛ لِأَنَّ تَعَلُّقَ الْمَالِ بِالرَّقَبَةِ لَا يَمْنَعُ الْقِصَاصَ كَالرَّقِيقِ الْمَرْهُونِ (كَيَدٍ) أَيْ: كَمَا يَقْرَعُ فِي قَطْعِ يَدٍ (وَأُصْبُعِ مِنْهَا) كَأَنْ قَطَعَ يَدًا يُمْنَى مِنْ رَجُلٍ، وَأُصْبُعًا مِنْ يَدٍ يُمْنَى لِآخَرَ مَعًا، فَإِنْ خَرَجَتْ الْقُرْعَةُ لِصَاحِبِ الْأُصْبُعِ قَطَعَهُ، ثُمَّ قَطَعَ الْآخَرُ الْيَدَ، وَأَخَذَ دِيَةَ الْأُصْبُعِ، أَوْ لِلْآخَرِ قَطْعُ الْيَدِ، وَأَخَذَ صَاحِبُ الْأُصْبُعِ دِيَتَهُ، وَلَا يُقَالُ: يَبْدَأُ بِالْأَخَفِّ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الْيَدِ مُسْتَحِقٌّ لِقَطْعِ الْأُصْبُعِ أَيْضًا بِخِلَافِ مَا لَوْ قَطَعَ يَدَ رَجُلٍ، وَقَتَلَ آخَرَ فَإِنَّا نُقَدِّمُ الْقِصَاصَ فِي الْيَدِ، ثُمَّ نَقْتَصُّ بِالْقَتْلِ؛ لِأَنَّ مُسْتَحِقَّ الْقَتْلِ حَقُّهُ فِي النَّفْسِ لَا فِي الْأَعْضَاءِ أَلَا تَرَاهُ أَنَّهُ لَوْ قَتَلَ الْمَقْطُوعُ سَلِيمًا، وَقُتِلَ بِهِ، وَقَعَ قِصَاصًا، وَلَمْ يَسْتَحِقَّ أَرْشَ الْيَدِ، وَلَوْ قَطَعَ مَقْطُوعُ الْأُصْبُعِ سَلِيمًا، وَاقْتَصَّ مِنْهُ كَانَ لَهُ أَرْشُ الْأُصْبُعِ، وَتَعْبِيرُهُ بِالْيَدِ أَعَمُّ مِنْ تَعْبِيرِ أَصْلِهِ بِالْيَمِينِ (وَإِنْ هَمَّ) أَيْ: أَوْلِيَاءُ الْقَتْلِ (قَتَلُوهُ) أَيْ: الْقَاتِلَ مَعًا (وَزِّعْ) أَنْتَ (عَلَيْهِمْ الْقَتْلَ، وَوَزِّعْ الدِّيَهْ) عَلَيْهِمْ (فَلِامْرِئٍ) أَيْ: فَلِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مِنْ الدِّيَةِ (مَا لَمْ يَكُنْ مُسْتَوْفِيَهْ) بِالْقِصَاصِ فَلَوْ كَانُوا ثَلَاثَةً فَقَدْ اسْتَوْفَى كُلٌّ مِنْهُمْ ثُلُثَ قِصَاصِهِ، وَبَقِيَ لَهُ ثُلُثَا الدِّيَةِ.
(بَابُ الشُّرْبِ)
لِلْمُسْكِرِ (وَالتَّعْزِيرِ) ، وَالْأَصْلُ فِي تَحْرِيمِ الشُّرْبِ قَوْله تَعَالَى {إِنَّمَا الْخَمْرُ} [المائدة: 90] الْآيَةَ، وَخَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ «كُلُّ شَرَابٍ أَسْكَرَ فَهُوَ حَرَامٌ» ، وَخَبَرُ مُسْلِمٍ «كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ، وَكُلُّ خَمْرٍ حَرَامٌ» ، وَالتَّعْزِيرُ لُغَةً التَّأْدِيبُ، وَشَرْعًا تَأْدِيبٌ عَلَى ذَنْبٍ لَا حَدَّ فِيهِ، وَلَا كَفَّارَةَ عَلَى مَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ (بِشُرْبِ مَنْ يَلْتَزِمُ الْأَحْكَامَ عَنْ طَوْعٍ) أَيْ: اخْتِيَارٍ (لِمَا يُسْكِرُ جِنْسًا) أَيْ: لِمَا يُسْكِرُ جِنْسُهُ مِنْ خَمْرٍ، أَوْ غَيْرِهِ، وَإِنْ لَمْ يُسْكِرْ الْقَدْرُ الْمَشْرُوبُ مِنْهُ يَضْرِبُهُ الْإِمَامُ أَرْبَعِينَ كَمَا سَيَأْتِي، وَفِي مَعْنَى شُرْبِهِ أَكْلُهُ بِأَنْ كَانَ ثَخِينًا، أَوْ أَكَلَهُ بِخُبْزٍ، أَوْ طَبَخَ بِهِ لَحْمًا، وَأَكَلَ مَرَقَهُ فَخَرَجَ بِذَلِكَ أَكْلُ اللَّحْمِ الْمَطْبُوخِ بِهِ لِذَهَابِ الْعَيْنِ مِنْهُ، وَأَكْلُ، أَوْ شُرْبُ مَا خُلِطَ بِهِ، وَاسْتُهْلِكَ هُوَ فِيهِ، وَكَذَا الِاحْتِقَانُ كَمَا سَيَأْتِي، وَالْإِسْعَاطُ؛ لِأَنَّ الْحَدَّ لِلزَّجْرِ، وَلَا حَاجَةَ فِيهِمَا إلَى زَجْرٍ، وَبِمُلْتَزِمِ الْأَحْكَامِ أَيْ: أَحْكَامِ الشُّرْبِ، وَغَيْرِهِ غَيْرُ الْمُكَلَّفِ، وَالْكَافِرُ، وَبِقَوْلِهِ: عَنْ طَوْعٍ مَنْ، أَوْجَرَهُ، وَمَنْ أُكْرِهَ عَلَى تَنَاوُلِهِ، وَبِمَا يُسْكِرُ جِنْسُهُ غَيْرَهُ كَالْبَنْجِ، وَالدَّوَاءِ الْمُجَنِّن، وَالْحَشِيشَةِ، فَلَا حَدَّ بِتَنَاوُلِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُلِذُّ، وَلَا يُطْرِبُ، وَلَا يَدْعُو قَلِيلُهُ إلَى كَثِيرِهِ، بَلْ يُعَزَّرُ بِهِ، وَالتَّصْرِيحُ بِلَفْظَةِ الْأَحْكَامِ، وَبِقَوْلِهِ: (لَا الْحُقَنْ) بِضَمِّ الْحَاءِ، وَفَتْحِ الْقَافِ جَمْعُ حُقْنَةٍ مِنْ زِيَادَتِهِ أَيْ: يَضْرِبُهُ الْإِمَامُ بِشُرْبِهِ الْمُسْكِرِ لَا بِاحْتِقَانِهِ بِهِ وَ (لَا) بِشُرْبِهِ (لِلتَّدَاوِي، وَالظَّمَا) أَيْ: الْعَطَشِ إذَا لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ (وَ) إنْ (حَرُمَا) أَيْ: شُرْبُهُ لَهُمَا بِخِلَافِ شُرْبِ الْبَوْلِ، وَالدَّمِ لَهُمَا لِعُمُومِ النَّهْيِ عَنْ شُرْبِ الْمُسْكِرِ الَّذِي مِنْ شَأْنِهِ إزَالَةُ الْعَقْلِ، وَلِأَنَّ بَعْضَهُ يَدْعُو إلَى بَعْضٍ، وَلِأَنَّهُ يُثِيرُ الْعَطَشَ بَعْدُ، وَإِنْ سَكَنَّهُ فِي الْحَالِ، وَعَلَى ذَلِكَ يُحْمَلُ خَبَرُ «إنَّ اللَّهَ لَمْ يَجْعَلْ شِفَاءَكُمْ فِيمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ» رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ، وَصَحَّحَهُ
هَذَا إذَا لَمْ يَنْتَهِ بِهِ الْأَمْرُ إلَى الْهَلَاكِ، وَإِلَّا، فَيَتَعَيَّنُ شُرْبُهُ كَمَا يَتَعَيَّنُ عَلَى الْمُضْطَرِّ أَكْلُ الْمَيْتَةِ نَقَلَهُ الْإِمَامُ عَنْ إجْمَاعِ الْأَصْحَابِ، وَإِذَا اُحْتِيجَ فِي قَطْعِ الْيَدِ الْمُتَآكِلَةِ، أَوْ السِّلْعَةِ إلَى مَا يُزِيلُ الْعَقْلَ كَالْبَنْجِ هَلْ
ـــــــــــــــــــــــــــــS (بَابُ الشُّرْبِ، وَالتَّعْزِيرِ) (قَوْلُهُ: أَوْ أَكْلُهُ الْخُبْزَ) قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَا يُؤَثِّرُ اسْتِهْلَاكُهُ فِي الْخُبْزِ بِالْمَضْغِ (قَوْلُهُ: لِذَهَابِ الْعَيْنِ) قَدْ يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ ظَهَرَتْ الْعَيْنُ عَلَى اللَّحْمِ حُدَّ بِأَكْلِهِ مَعَهُ (قَوْلُهُ: إذَا لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ) ثُمَّ قَوْلُهُ: الْآتِي فِي الْقِصَّةِ بِقَيْدٍ زَادَهُ بِقَوْلِهِ حَيْثُ سِوَاهُ عُدِمَا الْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ لَا حَدَّ فِي الثَّلَاثَةِ أَعْنِي شُرْبَهُ لِلتَّدَاوِي، وَالظَّمَأِ، وَالْغُصَّةِ وَإِنْ، وَجَدَ غَيْرَهُ لِلشُّبْهَةِ، وَلِهَذَا قَالَ فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ لَا يَتَنَاوَلُهُ التَّدَاوِي، وَعَطَشٌ، فَلَا يُحَدُّ بِهِ، وَإِنْ، وَجَدَ غَيْرَهُ إلَخْ. اهـ. وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ قَوْلُ الْمَتْنِ حَيْثُ سِوَاهُ عُدِمَا لِإِمْكَانِ جَعْلِهِ رَاجِعًا لِمَجْمُوعِ عَدَمِ الْحَدِّ، وَالْحُرْمَةِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي كَوْنِهِمَا حَقَّيْنِ لِلَّهِ تَعَالَى.
(بَابُ الشُّرْبِ) (قَوْلُهُ: وَاسْتَهْلَكَ هُوَ فِيهِ) الْمُرَادُ بِاسْتِهْلَاكِهِ عَدَمُ ظُهُورِ عَيْنِهِ بِالرُّؤْيَةِ. اهـ. ق ل عَلَى الْجَلَالِ، وَفِي حَاشِيَةِ الْمَنْهَجِ الْمُرَادُ بِهِ أَنْ لَا يَبْقَى لَهُ طَعْمٌ، وَلَا لَوْنٌ، وَلَا رِيحٌ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَبِمَا يُسْكِرُ جِنْسُهُ غَيْرَهُ إلَخْ.) أَيْ: فَإِنَّهُ لَا شِدَّةَ فِيهِ مُطْرِبَةٌ، وَإِنْ كَانَ حَرَامًا (قَوْلُهُ: مِنْ زِيَادَتِهِ) أَيْ: التَّصْرِيحِ بِهِ لِفَهْمِهِ مِنْ التَّعْبِيرِ أَوَّلًا بِالشُّرْبِ. اهـ. عِرَاقِيٌّ (قَوْلُهُ: إذَا لَمْ يَجِدْ إلَخْ.) الْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ لَا حَدَّ، وَإِنْ، وَجَدَ غَيْرَهُ لِلشُّبْهَةِ. اهـ. م ر، وَإِنَّمَا قَيَّدَ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ: إذَا لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ حَمْلًا لِلْمُصَنِّفِ عَلَى مَا فِي الرَّوْضَةِ مِنْ فَرْضِ الْخِلَافِ فِي الْحَدِّ فِي صُورَةِ مَا إذَا لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ، وَلِذَا جَعَلَ قَوْلَهُ: وَحَرُمَا غَايَةٌ أَيْ: وَإِنْ قُلْنَا بِالْحُرْمَةِ إذْ لَوْ، وَجَدَ غَيْرَهُ لَكَانَ حَرَامًا اتِّفَاقًا فَتَدَبَّرْ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ حَرُمَا) أَيْ: شُرْبُهُ صَرْفًا لِخَبَرِ مُسْلِمٍ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِمَنْ سَأَلَهُ أَنْ يَصِفَهَا لِلدَّوَاءِ أَنَّهُ لَيْسَ بِدَوَاءٍ، وَلَكِنَّهُ دَاءٌ» ، وَلِلْخَبَرِ الْآتِي، وَمَا دَلَّ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ أَنَّ فِيهَا مَنَافِعَ قَالَ حَجَرٌ وم ر إنَّمَا هُوَ قَبْلَ تَحْرِيمِهَا قَالَ الرَّشِيدِيُّ لَكِنَّ هَذَا قَدْ يُنَافِيهِ ظَاهِرُ الْآيَةِ حَيْثُ قَرَنَتْ الْمَنَافِعَ فِيهَا بِالْإِثْمِ الَّذِي هُوَ ثَمَرَةُ التَّحْرِيمِ. اهـ.
فَالْأَوْلَى حَمْلُ الْمَنَافِعِ عَلَى مَا يَحْصُلُ بِالتِّجَارَةِ فِيهَا كَمَا فِي بَعْضِ كُتُبِ التَّفَاسِيرِ، وَإِنْ كَانَتْ مُحَرَّمَةً، أَوْ عَلَى التَّدَاوِي بِهَا غَيْرَ صِرْفَةٍ