يَمُوتَانِ فِيهَا غَالِبًا مَعَ الْجُوعِ، وَالْعَطَشِ السَّابِقَيْنِ وَعِلْمِهِ بِهِمَا فَيَمُوتَا فَكُلٌّ مِنْهُمْ عَمْدٌ مَحْضٌ لِظُهُورِ قَصْدِ الْإِهْلَاكِ بِذَلِكَ فَيُوجِبُ جَمِيعَ الدِّيَةِ (وَ) يُوجِبُ (النِّصْفَ) مِنْهَا (لِغَيْرِ عِلْمٍ) أَيْ: عِنْدَ الْجَهْلِ وَهُوَ حِينَئِذٍ شِبْهُ عَمْدٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ إهْلَاكَهُ وَلَا أَتَى بِمَا يُهْلِكُ، وَإِنَّمَا وَجَبَ النِّصْفُ؛ لِأَنَّ الْهَلَاكَ بِالْجَوْعَيْنِ، أَوْ الظَّمَأَيْنِ وَاَلَّذِي مِنْهُ أَحَدُهُمَا وَعُلِمَ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَوْ أَجَاعَ إنْسَانًا، أَوْ أَظْمَأَهُ مُدَّةً يَمُوتُ فِيهَا غَالِبًا بِدُونِ جُوعٍ وَظَمَإٍ سَابِقَيْنِ فَهُوَ عَمْدٌ وَلَوْ حَبَسَهُ وَلَمْ يَمْنَعْهُ شَيْءٌ فَتَرَكَ الْأَكْلَ خَوْفًا، أَوْ حَزَنًا، وَالطَّعَامُ، وَالشَّرَابُ عِنْدَهُ فَمَاتَ جُوعًا، أَوْ عَطَشًا، أَوْ مَاتَ حَتْفَ أَنْفِهِ، أَوْ بِحَيَّةٍ، أَوْ بِهَدْمٍ، أَوْ مَنَعَهُ الشَّرَابَ فَلَمْ يَأْكُلْ خَوْفَ الْعَطَشِ فَمَاتَ جُوعًا لَمْ يَضْمَنْهُ كَمَا أَفْهَمَهُ كَلَامُ النَّظْمِ نَعَمْ إنْ كَانَ رَقِيقًا ضَمِنَهُ بِالْيَدِ وَذِكْرُ الْإِظْمَاءِ مِنْ زِيَادَتِهِ وَلَوْ حَبَسَهُ وَعَرَّاهُ حَتَّى مَاتَ بَرْدًا قَالَ الْقَاضِي وَالْمُتَوَلِّي: فَهُوَ كَمَا لَوْ مَنَعَهُ الطَّعَامَ، وَالشَّرَابَ وَيَدُلُّ لَهُ نَصٌّ لِلشَّافِعِيِّ فِي الْأُمِّ وَلَوْ قَتَلَهُ بِالدُّخَانِ فَإِنْ حَبَسَهُ فِي بَيْتٍ وَسَدَّ مَنَافِذَهُ فَاجْتَمَعَ فِيهِ الدُّخَانُ وَضَاقَ نَفْسُهُ فَمَاتَ وَجَبَ الْقَوَدُ قَالَهُ الْمُتَوَلِّي قَالَ الرَّافِعِيُّ وَلَوْ أَخَذَ طَعَامَهُ، أَوْ شَرَابَهُ، أَوْ ثِيَابَهُ فِي مَفَازَةٍ فَمَاتَ جُوعًا، أَوْ عَطَشًا، أَوْ بَرْدًا فَلَا ضَمَانَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُحْدِثْ فِيهِ صُنْعًا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَقَضِيَّةُ هَذَا التَّوْجِيهِ أَنَّهُ لَوْ أَغْلَقَ عَلَيْهِ بَيْتًا هُوَ جَالِسٌ فِيهِ حَتَّى مَاتَ جُوعًا لَمْ يَضْمَنْهُ وَفِيهِ نَظَرٌ نَعَمْ إنْ كَانَ التَّصْوِيرُ فِي مَفَازَةٍ يُمْكِنُهُ الْخُرُوجُ مِنْهَا فَهَذَا مُحْتَمَلٌ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ ذَلِكَ لِطُولِهَا، أَوْ لِزَمَانَتِهِ وَلَا طَارِقَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ فَالْمُتَّجَهُ وُجُوبُ الْقَوَدِ كَالْمَحْبُوسِ اهـ.

(وَمِثْلُ أَنْ يُلْدِغَ شَخْصًا عَقْرَبَا) بِأَنْ يُدْنِيَ ذَنَبَهَا مِنْهُ فَتَلْدَغْهُ فَيَمُوتُ (وَ) أَنْ (يَنْهَشَ) أَيْ: يُلْسِعَ شَخْصًا (الْأَفْعَى) أَيْ: الْحَيَّةُ فَيَمُوتُ (وَقَتْلٌ غَلَبَا) مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا فَإِنَّهُ عَمْدٌ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَغْلِبْ فَإِنَّهُ شِبْهُ عَمْدٍ إذَا لَمْ يَظْهَرْ مِنْهُ قَصْدُ الْقَتْلِ وَذِكْرُ إلْدَاغِ الْعَقْرَبِ مِنْ زِيَادَتِهِ وَخَرَجَ بِهِ وَبِإِنْهَاشِ الْحَيَّةِ مَا لَوْ أَلْقَاهُمَا عَلَيْهِ، أَوْ بِالْعَكْسِ، أَوْ قَيَّدَهُ وَوَضَعَهُ بِمَوْضِعٍ فِيهِ عَقَارِبُ وَحَيَّاتٌ فَقَتَلْته.

فَلَا ضَمَانَ وَإِنْ كَانَ الْمَوْضِعُ ضَيِّقًا إذْ لَمْ يُلْجِئْهَا إلَى الْقَتْلِ وَإِنَّمَا قَتَلَتْهُ بِاخْتِيَارِهَا فَصَارَ فِعْلُهُ مَعَ قَتْلِهَا كَالْإِمْسَاكِ مَعَ الْمُبَاشَرَةِ وَكَذَا لَوْ أَرْسَلَ عَلَيْهِ سَبُعًا، أَوْ أَغْرَى بِهِ كَلْبًا عَقُورًا فِي مَحَلٍّ وَاسِعٍ فَقَتَلَهُ ذَكَرَهُ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا (وَ) مِثْلُ (جَمْعِهِ) لِإِنْسَانٍ (بِسَبُعٍ) يَقْتُلُ غَالِبًا (فِي) مَوْضِعٍ (ضَيِّقٍ) وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَكْتُوفًا فَافْتَرَسَهُ؛ لِأَنَّ الْحَيَوَانَ الضَّارِيَ حِينَئِذٍ يَصِيرُ كَالْآلَةِ وَيُخَالِفُ الْحَيَّةَ فَإِنَّهَا تَنْفِرُ بِطَبْعِهَا عَنْ الْآدَمِيِّ بِخِلَافِ السَّبُعِ فَإِنَّهُ يَثِبُ عَلَيْهِ فِي الْمَضِيقِ دُونَ الْوَاسِعِ وَلِهَذَا لَوْ أَلْقَاهُ مَكْتُوفًا بِمَسْبَعَةٍ لَمْ يَضْمَنْهُ كَمَا مَرَّ (وَ) مِثْلُ أَنْ (يُلْقِيَ الشَّخْصَ)

ـــــــــــــــــــــــــــــSأَنَّهُ أَرَادَ أَنَّهُ يُمْكِنُ حَمْلُ إطْلَاقِ الْجُمْهُورِ عَلَى مَا قَالَهُ الْغَزَالِيُّ (قَوْلُهُ: أَوْ أَغْرَى بِهِ كَلْبًا عَقُورًا) قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ كَيْفَ يَسْتَقِيمُ هَذَا مَعَ إيجَابِ الْقِصَاصِ فِي إغْرَاءِ الْمَجْنُونِ وَأَيُّ فَرْقٍ بَيْنَهُمَا؟ قُلْت: أَجَابَ الْجَوْجَرِيُّ بِأَنَّ الْمَجْنُونَ لَهُ نَوْعُ فَهْمٍ فِي الْجُمْلَةِ فَإِذَا أَغْرَاهُ أَحَدٌ قَوَّى عِنْدَهُ ذَلِكَ الْبَاعِثَ وَكَانَ فِعْلُهُ مَنْسُوبًا إلَى الْمُغْرِي بِخِلَافِ السَّبُعِ فَإِنَّهُ لَا فَهْمَ لَهُ، وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ: الْفَرْقُ أَنَّ السَّبُعَ لَهُ نُفْرَةٌ مِنْ الْآدَمِيِّ بِطَبْعِهِ بِخِلَافِ الْمَجْنُونِ فَلِذَا وَجَبَ الْقِصَاصُ دُونَ مُغْرِي السَّبُعِ اهـ.

وَهُوَ أَجْوَدُ مِنْ الْأَوَّلِ ثُمَّ لَك أَنْ تُحَاوِلَ التَّسْوِيَةَ بِحَمْلِ مَسْأَلَةِ الْمَجْنُونِ عَلَى الْمَكَانِ الضَّيِّقِ فَقَطْ مَا لَمْ يَمْنَعْ مِنْ ذَلِكَ نَقْلٌ بِرّ قِيلَ:

ـــــــــــــــــــــــــــــQالْيَدِ، وَالِاسْتِعَانَةِ بِخَوَاصِّ الْأَدْوِيَةِ، وَالْأَحْجَارِ وَفِي التَّحْرِيمِ إنْ لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَيْهَا مَفْسَدَةٌ خِلَافٌ وَأَمَّا الِاسْتِعَانَةُ بِالْأَرْوَاحِ الْأَرْضِيَّةِ بِوَاسِطَةِ الرِّيَاضَةِ وَقِرَاءَةِ الْعَزَائِمِ إلَى حَيْثُ يَخْلُقُ اللَّهُ تَعَالَى عَقِيبَ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ جَرْيِ الْعَادَةِ بَعْضَ خَوَارِقَ فَإِنْ كَانَ مَنْ يَتَعَاطَى ذَلِكَ خَيِّرًا مُتَشَرِّعًا فِي كَامِلِ مَا يَأْتِي وَيَذَرُ وَكَانَ مَنْ يَسْتَعِينُ بِهِ مِنْ الْأَرْوَاحِ الْخَيِّرَةِ وَكَانَتْ عَزَائِمُهُ لَا تُخَالِفُ الشَّرْعَ وَلَيْسَ فِيمَا يَظْهَرُ عَلَى يَدِهِ مِنْ الْخَوَارِقِ ضَرَرٌ شَرْعِيٌّ عَلَى أَحَدٍ فَلَيْسَتْ مِنْ السِّحْرِ بَلْ مِنْ الْأَسْرَارِ، وَالْمَعُونَةِ فَإِنْ انْتَفَى شَيْءٌ مِنْ تِلْكَ الْقُيُودِ فَتَعَلُّمُهَا حَرَامٌ إنْ تَعَلَّمَ لِيَعْمَلَ بَلْ كُفْرٌ إنْ اعْتَقَدَ الْحِلَّ فَإِنْ تَعَلَّمَهَا لِيَتَوَقَّاهَا فَمُبَاحٌ أَوَّلًا وَإِلَّا فَمَكْرُوهٌ اهـ.

شَيْخُنَا ذ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ: وَقَضِيَّةُ هَذَا التَّوْجِيهِ إلَخْ) فَرَّقَ م ر بِأَنَّهُ فِي أَخْذِ الطَّعَامِ مِنْهُ مُتَمَكِّنٌ مِنْ أَخْذِ شَيْءٍ بِخِلَافِهِ فِي الْحَبْسِ اهـ.

أَيْ فَيَضْمَنُ فِي صُورَةِ إغْلَاقِ الْبَيْتِ عَلَيْهِ بِخِلَافِ صُورَةِ أَخْذِ الطَّعَامِ وَقَالَ فِي قَوْلِهِ نَعَمْ إلَخْ أَنَّهُ مَرْدُودٌ مُخَالِفٌ لِكَلَامِهِمْ اهـ وَقَوْلُهُ: مُتَمَكِّنٌ مِنْ أَخْذِ شَيْءٍ فَإِنْ تَعَذَّرَ وُجُودُ شَيْءٍ هُنَاكَ فَلَيْسَ ذَلِكَ التَّعَذُّرُ مِنْ الْأَخْذِ لِلطَّعَامِ (قَوْلُهُ: مَكْتُوفًا) أَيْ غَيْرَ مُقَيَّدٍ (قَوْلُهُ: أَنْ يُلْقِيَ الشَّخْصَ) وَلَوْ أَحْسَنَ السِّبَاحَةَ عِبَارَةُ شَرْحِ م ر وَلَوْ أَلْقَاهُ فِي مَاءٍ مُغْرِقٍ لَا يُمْكِنُهُ التَّخَلُّصُ مِنْهُ فَالْتَقَمَهُ حُوتٌ وَجَبَ الْقِصَاصُ فِي الْأَظْهَرِ، أَوْ غَيْرِ مُغْرِقٍ فَإِنْ أَمْكَنَهُ الْخَلَاصُ مِنْهُ وَلَوْ بِسِبَاحَةٍ فَالْتَقَمَهُ فَلَا قَوَدَ بَلْ دِيَةُ شِبْهِ عَمْدٍ مَا لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ بِهِ حُوتًا يَلْتَقِمُ وَإِلَّا فَالْقَوَدُ وَعِبَارَةُ الْإِرْشَادِ وَشَرْحِهِ لِحَجَرٍ عَطْفًا عَلَى أَمْثِلَةِ الْعَمْدِ وَإِلْقَاءٍ بِمَاءٍ مُغْرِقٍ لَا يُمْكِنُهُ التَّخَلُّصُ مِنْهُ بِعَوْمٍ، أَوْ غَيْرِهِ، أَوْ غَيْرِ مُغْرِقٍ وَأَلْقَاهُ بِهَيْئَةٍ لَا يُمْكِنُهُ ذَلِكَ مَعَهَا، أَوْ أَمْكَنَهُ التَّخَلُّصُ مِنْ الْغَرَقِ لَكِنَّهُ لَمْ يُقَصِّرْ وَمَاتَ بِذَلِكَ فَيَجِبُ الْقَوَدُ وَإِنْ الْتَقَمَهُ حُوتٌ قَبْلَ وُصُولِهِ لِلْمَاءِ، أَوْ بَعْدَهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مُهْلِكٌ لِمِثْلِهِ وَلَا نَظَرَ إلَى الْجِهَةِ الَّتِي مَاتَ بِهَا، ثُمَّ قَالَ: أَمَّا إذَا مَنَعَهُ مِنْ السِّبَاحَةِ عَارِضٌ كَمَوْجٍ فَشِبْهُ عَمْدٍ لَا إنْ أَمْكَنَهُ تَخَلُّصٌ فَإِذَا أَمْكَنَهُ فَقَصَّرَ وَمَكَثَ حَتَّى هَلَكَ هَدَرٌ فَلَا قَوَدَ وَلَا دِيَةَ وَلَا كَفَّارَةَ؛ لِأَنَّهُ الْمُهْلِكُ نَفْسَهُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015