الْقَاتِلِينَ لِوَاحِدٍ بَلْ يُقْتَصُّ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمْ (وَيُوجِبُ) مُعْقِبُ التَّلَفِ عَلَى الْجَانِي مَعَ الْكَفَّارَةِ (الضَّمَانَ) بِالْمَالِ مِنْ دِيَةٍ، أَوْ حُكُومَةٍ، أَوْ قِيمَةٍ (أَيْضًا) لِغَيْرِهِ (لَا لَهْ) إذْ لَا يَجِبُ لِلْإِنْسَانِ بِجِنَايَتِهِ عَلَى نَفْسِهِ شَيْءٌ كَمَا لَوْ أَتْلَفَ مَالَهُ (وَعَبْدِهِ) أَيْ: وَلَا لِعَبْدِهِ إذَا كَانَ عَبْدًا لَهُ (فِي وَقْتِ صَيِّبٍ نَالَهْ) أَيْ فِي وَقْتِ الْإِصَابَةِ الَّتِي نَالَتْ عَبْدَهُ مِنْهُ وَإِنْ خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ بَعْدَهَا إذْ بِهَا الِاعْتِبَارُ كَمَا مَرَّ وَدَخَلَ فِي ذَلِكَ مَا لَوْ رَمَى إلَى عَبْدٍ، ثُمَّ مَلَكَهُ قَبْلَ الْإِصَابَةِ بِإِرْثٍ، أَوْ غَيْرِهِ فَلَا يَضْمَنُهُ؛ لِأَنَّهُ عَبْدُهُ عِنْدَهَا وَخَرَجَ مَا لَوْ رَمَى إلَى عَبْدِهِ، ثُمَّ أَعْتَقَهُ قَبْلَ الْإِصَابَةِ فَيَضْمَنُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عَبْدَهُ عِنْدَهَا.
(وَلَوْ) كَانَ عَبْدُهُ الَّذِي أَصَابَهُ (مُكَاتَبًا) فَلَا يُوجِبُ الْمُعْقِبُ ضَمَانَهُ كَالْقِنِّ وَمِثْلُهُ الْأَمَةُ وَلَوْ مُسْتَوْلَدَةً وَمَحَلُّهُ فِي الْمُكَاتَبِ إذَا قَتَلَهُ فَلَوْ قَطَعَ طَرَفَهُ وَجَبَ لَهُ الْأَرْشُ (وَبَعْضًا) أَيْ: أَوْ كَانَ بَعْضًا لَهُ أَيْ: أَحَدَ أُصُولِهِ، أَوْ فُرُوعِهِ، وَقَدْ (مَثَّلَهُ) أَيْ: الْحَاوِي بِمَا إذَا (بِيعَ مُكَاتَبٌ أَبًا) لَهُ بِأَنْ ابْتَاعَهُ بِإِذْنِ سَيِّدٍ (وَقَتَلَهْ) فَلَا يَضْمَنُهُ؛ لِأَنَّهُ مَمْلُوكُهُ إذْ لَا يَعْتِقُ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا يَتَكَاتَبُ عَلَيْهِ وَيَثْبُتُ لَهُ حَقُّ الْحُرِّيَّةِ كَالْمُكَاتَبِ وَتَعْبِيرُهُ بِالْبَعْضِ أَعَمُّ مِنْ تَعْبِيرِ الْحَاوِي بِالْأَبِ (وَلَا) يُوجِبُ الْمُعْقِبُ الضَّمَانَ (لِآذِنٍ) لَهُ وَهُوَ حُرٌّ مُكَلَّفٌ فِي قَتْلِ نَفْسِهِ (وَ) لَا (فِي قَطْعٍ) لِطَرَفِهِ وَإِنْ (سَرَى) أَيْ: الْقَطْعُ إلَى النَّفْسِ؛ لِأَنَّهُ أَبَاحَ لَهُ حَقَّهُ إذْ الدِّيَةُ تَجِبُ لَهُ ابْتِدَاءً فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ حَيَاتِهِ ثُمَّ تَنْتَقِلُ إلَى الْوَرَثَةِ وَلِهَذَا تُنَفَّذُ مِنْهَا وَصَايَاهُ وَيُوَفَّى دُيُونُهُ وَأَفْهَمَ كَلَامُهُ أَنَّ الْإِذْنَ لَا يُؤَثِّرُ فِي سُقُوطِ الْكَفَّارَةِ وَهُوَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْإِبَاحَةَ لَا تُؤَثِّرُ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى (وَتَارِكٍ مَوْثُوقَ دَفْعِ مَا طَرَا) أَيْ: وَلَا يُوجِبُ الْمُعْقِبُ الضَّمَانَ لِتَارِكِ فِعْلٍ مَوْثُوقٍ بِهِ فِي دَفْعِ مَا طَرَأَ عَلَيْهِ مِنْ الْجِنَايَةِ (كَالْمُكْثِ) مِنْهُ (فِي النَّارِ) الَّتِي أَلْقَاهُ فِيهَا غَيْرُهُ مَعَ سُهُولَةِ خُرُوجِهِ مِنْهَا؛ لِأَنَّهُ بِالتَّرْكِ مُعْرِضٌ عَمَّا يُنْجِيهِ يَقِينًا فَهُوَ كَمَا لَوْ حَبَسَهُ فَأَعْرَضَ عَنْ الْأَكْلِ حَتَّى مَاتَ وَمِثْلُهُ مَا لَوْ أَلْقَاهُ فِي مُغْرِقٍ وَهُوَ يُحْسِنُ السِّبَاحَةَ فَلَمْ يَسْبَحْ مِنْ غَيْرِ مَانِعٍ وَمَا لَوْ قَصَدَهُ فَلَمْ يَعْصِبْ نَفْسَهُ حَتَّى مَاتَ.
وَخَرَجَ بِالْمَوْثُوقِ بِهِ فِي الدَّفْعِ غَيْرُهُ كَتَرْكِهِ مُعَالَجَةَ جُرْحِهِ الْمُهْلِكِ حَتَّى مَاتَ فَيَجِبُ ضَمَانُهُ وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَا تَأَثَّرَ بِأَوَّلِ مُلَاقَاةِ النَّارِ قَبْلَ تَقْصِيرِهِ مَضْمُونٌ أَرْشًا وَحُكُومَةً وَلَوْ تَنَازَعَ الْمَلْقِيّ وَالْوَلِيُّ فِي تَمَكُّنِهِ مِنْ خُرُوجِهِ مِنْ النَّارِ صُدِّقَ الْوَلِيُّ بِيَمِينِهِ عَلَى الرَّاجِحِ فِي الرَّوْضَةِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَوْ تَمَكَّنَ لَخَرَجَ
(وَلَا إنْ يَزْعُم كُفْرًا) أَيْ: بِظَنِّهِ الْجَانِي الْمُسْلِمِ كَافِرًا حَرْبِيًّا بِأَنْ كَانَ (بِدَارِ الْحَرْبِ) عَلَى زِيِّ الْكُفَّارِ، أَوْ رَآهُ يُعَظِّمُ آلِهَتَهُمْ (أَوْ) كَانَ فِي (صَفِّهِمْ) لَوْ بِدَارِ الْإِسْلَامِ فَبَانَ مُسْلِمًا فَلَا يَضْمَنُهُ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ كُفْرُهُ فَيُعْذَرُ وَإِنَّمَا وَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ بِقَتْلِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ} [النساء: 92] أَيْ: فِي قَوْمٍ {عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [النساء: 92] وَ؛ لِأَنَّهَا فِي مُقَابَلَةِ إعْدَامِ النَّفْسِ لَا فِي مُقَابَلَةِ الْإِثْمِ وَالتَّعَدِّي بِدَلِيلِ وُجُوبِهَا فِي قَتْلِ الْخَطَإِ وَخَرَجَ بِدَارِ الْحَرْبِ دَارُ الْإِسْلَامِ إذْ ظَاهِرُ حَالِهِ فِيهَا إذَا لَمْ يَكُنْ بِصَفِّ الْكُفَّارِ الْعِصْمَةُ وَلِهَذَا رُجِّحَ الْقَوْلُ بِوُجُوبِ الْقَوَدِ فِيهِ عِنْدَ التَّكَافُؤِ أَمَّا لَوْ قَتَلَ مَنْ عَهِدَهُ مُرْتَدًّا، أَوْ ذِمِّيًّا، أَوْ عَبْدًا، أَوْ ظَنَّهُ قَاتِلَ أَبِيهِ فَبَانَ خِلَافُهُ فَعَلَيْهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــSلِقَوْلِهِ: أَوْ عَكْسُهُ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْبَاغِيَ ظَالِمٌ فَإِنْ قُلْت: هَذَا مَمْنُوعٌ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ عَاصٍ. قُلْت: أَمَّا أَوَّلًا فَعَدَمُ عِصْيَانِهِ غَيْرُ مُسَلَّمٍ مُطْلَقًا، أَوْ عَلَى تَفْصِيلٍ يُرَاجَعُ مِنْ مَحِلِّهِ، وَأَمَّا ثَانِيًا فَعَدَمُ عِصْيَانِهِ إنَّمَا يَمْنَعُ الظُّلْمَ ظَاهِرٌ إلَّا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ إذْ لَا مَعْنَى لِكَوْنِهِ ظُلْمًا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ إلَّا أَنَّهُ لَا مُسَوِّغَ لَهُ فِي الْوَاقِعِ، وَلَوْ أُرِيدَ الظُّلْمُ فِي الظَّاهِرِ خَرَجَ قَتْلُ الْخَطَأِ مَعَ أَنَّهُ أَدْخَلَهُ فَلْيُتَأَمَّلْ
(قَوْلُهُ: بَلْ يُقْتَصُّ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمْ) أَيْ: لَوْ قُلْنَا: بِتَجَزُّئِهِ سَقَطَ لِعَدَمِ إمْكَانِ تَجَزُّئِهِ، وَوَجَبَ الْمَالُ فَفَائِدَةُ الْإِخْبَارِ بِأَنَّهُ لَا يُجْزِئُ مَعَ ظُهُورِ اسْتِحَالَةِ تَجَزُّئِهِ بَيَانُ وُجُوبِ قَتْلِ الْجَمِيعِ دَفْعًا لِتَوَهُّمِ انْتِفَائِهِ لِعَدَمِ إمْكَانِ تَجَزُّئِهِ. (قَوْلُهُ: فِي قَتْلِ نَفْسِهِ) وَلَوْ أَذِنَ فِي قَذْفِ نَفْسِهِ فَلَا حَدَّ بِرّ
(قَوْلُهُ: بِدَلِيلِ وُجُوبِهَا إلَخْ) قَدْ يُقَالُ: هَذَا الدَّلِيلُ يَقْتَضِي وُجُوبَ الْمَالِ أَيْضًا. (قَوْلُهُ: إذْ ظَاهِرُ حَالِهِ فِيهَا إلَخْ) سَوَاءٌ ظَنَّهُ حَرْبِيًّا أَمْ مُرْتَدًّا بِرّ. (قَوْلُهُ: أَمَّا لَوْ قَتَلَ مَنْ عَهِدَهُ مُرْتَدًّا إلَخْ) خَرَجَ مَا لَوْ عَهِدَهُ حَرْبِيًّا، فَإِنَّهُ لَا قِصَاصَ كَمَا جَزَمَ بِهِ صَاحِبُ الْإِرْشَادِ فِي الْمَسْأَلَةِ وَجْهَانِ فِي الرَّوْضَةِ، وَأَصْلِهَا مِنْ غَيْرِ تَرْجِيحٍ، وَقَدْ اعْتَمَدَ الزَّرْكَشِيُّ عَدَمَ الْقِصَاصِ، وَقَالَ: إنَّهُ نَظِيرُ مَا لَوْ قَتَلَ أَهْلُ الْعَدْلِ وَاحِدًا مِنْ أَهْلِ الْبَغْيِ، وَقَدْ جَاءُوا تَائِبِينَ، وَلَمْ يَعْلَمْ الْقَاتِلُ فَإِنَّهُ لَا قِصَاصَ بِرّ، وَكَتَبَ أَيْضًا قَالَ فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ وَخَرَجَ بِغَيْرِ الْحَرْبِيِّ فِي مَسْأَلَةِ الْعَهْدِ مَا لَوْ عَهِدَهُ حَرْبِيًّا، فَإِنْ قَتَلَهُ بِدَارِنَا فَلَا قَوَدَ، أَوْ بِدَارِهِمْ، أَوْ صَفِّهِمْ فَهَدْرٌ. اهـ. وَقَضِيَّةُ صَنِيعِهِ حَيْثُ قَالَ هُنَا: فَهَدْرٌ وَفِيمَا تَقَدَّمَ فَلَا قَوَدَ وُجُوبُ الدِّيَةِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQالتَّمْيِيزِ فِيهِمَا اهـ.
بُجَيْرِمِيٌّ عَلَى الْمَنْهَجِ (قَوْلُهُ: فِي وَقْتِ صَيِّبٍ) الصَّيِّبُ مَصْدَرُ صَابَهُ يَصِيبُهُ بِفَتْحِ الْيَاءِ لُغَةٌ فِي أَصَابَهُ يُصِيبُهُ إصَابَةً اهـ.
عِرَاقِيٌّ
(قَوْلُهُ: وَلَوْ كَانَ عَبْدُهُ إلَخْ) يُحْتَمَلُ أَنَّ الْمَعْنَى وَلَوْ كَانَ السَّيِّدُ مُكَاتَبًا وَلَوْ كَانَ عَبْدُهُ أَبَاهُ، أَوْ ابْنَهُ اهـ.
عِرَاقِيٌّ (قَوْلُهُ: يَتَكَاتَبُ عَلَيْهِ) لَعَلَّ مَعْنَاهُ أَنَّهُ يَعْتِقُ إذْ أَعْتَقَ (قَوْلُهُ: وَهُوَ حُرٌّ) وَأَمَّا الرَّقِيقُ فَيَسْقُطُ بِإِذْنِهِ الْقَوَدُ دُونَ الضَّمَانِ شَرْحُ إرْشَادٍ (قَوْلُهُ: لِتَارِكٍ إلَخْ) وَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ شَرْحُ الْإِرْشَادِ
(قَوْلُهُ: يَظُنُّهُ) الْمُرَادُ بِالظَّنِّ مُطْلَقُ التَّرَدُّدِ بِمَعْنَى أَنَّهُ تَرَدَّدَ فِي حِرَابَتِهِ وَعَدَمِهَا كَإِسْلَامِهِ، أَوْ ذِمِّيَّتِهِ اهـ.
ق ل، ثُمَّ قَالَ فَإِنْ شَكَّ فِي إسْلَامِهِ وَقَتَلَهُ بِدَارِهِمْ وَعَلِمَ مَكَانُهُ فَفِيهِ الْقَوَدُ وَهَذِهِ مُسْتَثْنَاةٌ مِنْ عُمُومِ التَّرَدُّدِ السَّابِقِ فَتَأَمَّلْهُ فَإِنَّ فِيهِ نَظَرًا اهـ.
وَقَوْلُهُ: مُطْلَقُ التَّرَدُّدِ يَشْمَلُ الْوَهْمَ وَظَاهِرٌ أَنَّهُ غَيْرُ مُرَادٍ اهـ.
رَشِيدِيٌّ (قَوْلُهُ: الْمُسْلِمُ) أَيْ أَوْ الذِّمِّيُّ الَّذِي اسْتَعَنَّا بِهِ اهـ.
شَرْحُ الْإِرْشَادِ لِحَجَرٍ (قَوْلُهُ: كَافِرًا حَرْبِيًّا) يُفِيدُ أَنَّهُ لَا يَكْفِي ظَنُّ كُفْرِهِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ