الْإِنْسَانِ فِي دَعْوَى الْوَكَالَةِ مَقْبُولٌ فِي الْمُعَامَلَاتِ.
وَمَحَلُّهُ كَمَا قَالَ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ إذَا لَمْ يُعِدْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْإِنْكَارَ بَعْدَ دَعْوَى الْوَكَالَةِ فَلَوْ أَعَادَهُ كَانَ عَزْلًا فَلَا يَصِحُّ الصُّلْحُ عَنْهُ وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ: إنْ قَالَ أَقَرَّ: مَا لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى وَكِّلْنِي فِي الصُّلْحِ عَنْهُ فَلَا يَصِحُّ بِنَاءً عَلَى الْأَصَحِّ فِي أَنَّ قَوْلَهُ: صَالِحْنِي عَمَّا تَدَّعِيهِ لَيْسَ إقْرَارَهُ وَبِقَوْلِهِ: وَقَالَ: وَكِّلْنِي فِي الصُّلْحِ عَنْهُ مَا لَوْ تَرَكَهُ فَهُوَ شِرَاءُ فُضُولِيٍّ فَلَا يَصِحُّ وَلَوْ قَالَ هُوَ مُنْكِرٌ لَكِنَّهُ مُبْطِلٌ فَصَالِحْنِي لَهُ لِقَطْعِ الْخُصُومَةِ بَيْنَكُمَا فَإِنْ كَانَ الْمُدَّعَى بِهِ عَيْنًا لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ صُلْحٌ لِمُنْكِرٍ، أَوْ دَيْنًا فَقِيلَ كَذَلِكَ، وَالْمَذْهَبُ الْقَطْعُ بِالصِّحَّةِ إذْ لَا يَتَعَذَّرُ قَضَاءُ دَيْنِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ بِخِلَافِ تَمْلِيكِهِ الْعَيْنَ وَزَادَ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا: بَاطِنًا، لِبَيَانِ تَصْوِيرِ الصُّلْحِ مَعَ الْإِنْكَارِ ظَاهِرًا وَإِنْ كَانَ الصُّلْحُ صَحِيحًا بِدُونِهِ بِأَنْ يَقُولَ أُقِرُّ، أَوْ أُقِرُّ ظَاهِرًا (وَ) لَا إنْ جَرَى الصُّلْحُ بِالْإِنْكَارِ مَعَ أَجْنَبِيٍّ (لَهُ فِي الْعَيْنِ) الْمُدَّعَاةِ (مَعْ) قَوْلِهِ (ذَا) أَيْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (مُبْطِلٌ) فِي إنْكَارِهِ فَإِنَّهُ لَا يَبْطُلُ إذَا صَدَرَ (مِنْ قَادِرٍ) وَلَوْ فِي ظَنِّهِ (أَنْ انْتَزَعْ) بِفَتْحِ هَمْزَةِ أَنْ أَيْ عَلَى انْتِزَاعِ الْعَيْنِ كَشِرَاءِ الْمَغْصُوبِ.
فَإِنْ كَانَ فِي دَيْنٍ فَهُوَ بَيْعُ الدَّيْنِ لِغَيْرِ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ وَتَقَدَّمَ حُكْمُهُ أَمَّا إذَا لَمْ يَقُلْ هُوَ مُبْطِلٌ أَيْ أَوْ نَحْوُهُ فَيَبْطُلُ الصُّلْحُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْتَرِفْ لِلْمُدَّعِي بِالْمِلْكِ
وَلَمَّا كَانَ التَّصَرُّفُ فِي الْمُشْتَرَكِ قَدْ يَتَوَقَّفُ عَلَى الصُّلْحِ ذَكَرَهُ النَّاظِمُ كَغَيْرِهِ فِي بَابِهِ فَقَالَ: (لَا يَتَصَرَّفُ أَحَدٌ فِي الشَّارِعِ غَرْسًا وَدَكَّةً) بِفَتْحِ الدَّالِ أَيْ بِغَرْسِ شَجَرَةٍ فِيهِ، أَوْ بِنَاءِ دَكَّةٍ (وَلَوْ) كَانَ ذَلِكَ (فِي) شَارِعٍ (وَاسِعِ) وَبِإِذْنِ الْإِمَامِ وَمَعَ انْتِفَاءِ الضَّرَرِ لِمَنْعِهِ الطُّرُوقَ فِي ذَلِكَ الْمَحَلِّ وَقَدْ تَزْدَحِمُ الْمَارَّةُ فَيَصْطَكُّونَ بِهِ؛ وَلِأَنَّهُ إذَا طَالَتْ الْمُدَّةُ أَشْبَهَ مَوْضِعُهُمَا الْأَمْلَاكَ، وَانْقَطَعَ أَثَرُ اسْتِحْقَاقِ الطُّرُوقِ فِيهِ بِخِلَافِ الْأَجْنِحَةِ كَمَا سَيَأْتِي وَاسْتُشْكِلَ التَّعْلِيلُ الْأَوَّلُ بِجَوَازِ غَرْسِ الشَّجَرَةِ بِالْمَسْجِدِ مَعَ الْكَرَاهَةِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ فِي شُرُوطِ الصَّلَاةِ، وَالثَّانِي بِجَوَازِ فَتْحِ الْبَابِ إلَى دَرْبٍ مُنْسَدٍّ إذَا سَمَّرَهُ كَمَا سَيَأْتِي وَأُجِيبَ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّ مَحَلَّ جَوَازِ غَرْسِ الشَّجَرَةِ بِالْمَسْجِدِ إذَا كَانَ لِعُمُومِ الْمُسْلِمِينَ بِدَلِيلِ أَنَّهُمْ لَا يُمْنَعُونَ مِنْ الْأَكْلِ مِنْ ثِمَارِهَا وَإِنْ غَرَسَهَا لِلْمَسْجِدِ لِيُصْرَفَ رِيعُهَا لَهُ فَالْمَصْلَحَةُ عَامَّةٌ أَيْضًا بِخِلَافِ مَا هُنَا.
وَقَضِيَّتُهُ جَوَازُ مِثْلِ ذَلِكَ فِي الشَّارِعِ حَيْثُ لَا ضَرَرَ وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّ الْحَقَّ فِي الدَّرْبِ الْمُنْسَدِّ لِخَاصٍّ، وَالْخَاصُّ قَائِمٌ عَلَى مِلْكِهِ وَحَافِظٌ لَهُ بِخِلَافِ الشَّارِعِ فَانْقِطَاعُ الْحَقِّ فِيهِ عِنْدَ طُولِ الْمُدَّةِ أَقْرَبُ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ مَنْعُ الدَّكَّةِ وَإِنْ كَانَتْ بِفِنَاءِ دَارِهِ وَبِهِ جَزَمَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَقَالَ السُّبْكِيُّ: يَنْبَغِي جَوَازُهَا حِينَئِذٍ عِنْدَ انْتِفَاءِ الضَّرَرِ؛ لِأَنَّهَا فِي حَرِيمِ مِلْكِهِ وَلِإِطْبَاقِ النَّاسِ عَلَى ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ إنْكَارٍ (وَمَا يَضُرُّ ذَا مُرُورٍ نَصَبَا) قَامَتْهُ أَيْ وَلَا يَتَصَرَّفُ أَحَدٌ فِي الشَّارِعِ بِمَا يَضُرُّ مِنْ جَنَاحٍ وَسَابَاطٍ وَنَحْوِهِمَا الْمَارَّ، مَاشِيًا مُنْتَصِبًا وَعَلَى رَأْسِهِ الْحُمُولَةُ الْعَالِيَةِ سَوَاءٌ كَانَ الشَّارِعُ وَاسِعًا أَمْ ضَيِّقًا (وَ) لَا بِمَا يَضُرُّ (مَحْمِلًا) عَلَى الْبَعِيرِ (وَرَأْسَهُ) أَيْ أَخْشَابُهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــSقَوْلُهُ: إذَا لَمْ يُعِدْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إلَخْ) فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ وَقَعَ مِنْهُ أَوَّلًا تَصْرِيحٌ بِالْإِنْكَارِ (قَوْلُهُ: فَهُوَ شِرَاءُ فُضُولِيٍّ) هَلَّا زَادَ، أَوْ بَيْعُ فُضُولِيٍّ، وَذَلِكَ إذَا كَانَ الْمُدَّعَى بِهِ عَيْنًا، وَالْمُصَالَحُ بِهِ دَيْنًا (قَوْلُهُ: لَهُ فِي الْعَيْنِ) أَيْ لِلْأَجْنَبِيِّ بِرّ (قَوْلُهُ: لِغَيْرِ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ) فَلَا يَصِحُّ الصُّلْحُ عَنْهُ بِدَيْنٍ ثَابِتٍ قَبْلَ ذَلِكَ وَيَصِحُّ بِغَيْرِهِ إنْ قَالَ: وَهُوَ مُقِرٌّ، أَوْ وَهُوَ لَك، أَوْ وَهُوَ مُبْطِلٌ بِنَاءً عَلَى الْأَصَحِّ السَّابِقِ مِنْ صِحَّةِ بَيْعِ الدَّيْنِ لِغَيْرِ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ ح ج
(قَوْلُهُ: لَا يَتَصَرَّفُ أَحَدٌ إلَخْ) وَلَا يُنَافِي مَا تَقَرَّرَ فِي نَحْوِ الدَّكَّةِ نَقْلَ الشَّيْخَيْنِ فِي الْجِنَايَاتِ عَنْ الْأَكْثَرِينَ مِنْ أَنَّ لِلْإِمَامِ مَدْخَلًا فِي إقْطَاعِ الشَّوَارِعِ وَأَنَّهُ يَجُوزُ لِلْمُقْطَعِ لَهُ أَنْ يَبْنِيَ فِيهِ وَيَتَمَلَّكَهُ؛ لِأَنَّهُ عَلَى تَقْدِيرِ اعْتِمَادِهِ وَإِلَّا فَكُلٌّ مِنْهُمَا مُصَرِّحٌ بِخِلَافِهِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا زَادَ مِنْ الشَّارِعِ عَلَى الْمَوْضِعِ الْمُحْتَاجِ إلَيْهِ لِلطُّرُوقِ بِحَيْثُ لَا يُتَوَقَّعُ الِاحْتِيَاجُ إلَيْهِ بِوَجْهٍ وَلَوْ عَلَى النُّدُورِ فَحِينَئِذٍ لِلْإِمَامِ الْإِقْطَاعُ وَلِلْمُقْطِعِ بِنَاءُ مَا أَرَادَ حَجَرٌ (قَوْلُهُ: غَرْسًا وَدَكَّةً) وَسَيَأْتِي فِي الْجِنَايَاتِ أَنَّهُ يَجُوزُ حَفْرُ الْبِئْرِ لِمَصْلَحَةِ نَفْسِهِ بِإِذْنِ الْإِمَامِ حَيْثُ لَا ضَرَرَ، وَكَأَنَّ الْفَرْقَ أَنَّ الِاحْتِيَاجَ إلَى الْمَاءِ أَتَمُّ وَقَدْ يَنْتَفِعُ بِهَا غَيْرُهُ بِخِلَافِ الشَّجَرِ (قَوْلُهُ: فَالْمَصْلَحَةُ عَامَّةٌ أَيْضًا) ظَاهِرُ هَذَا الْكَلَامِ أَنَّهَا تَصِيرُ لِعُمُومِ الْمُسْلِمِينَ، أَوْ لِلْمَسْجِدِ بِمُجَرَّدِ قَصْدِ ذَلِكَ عِنْدَ الْغَرْسِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ لِنَحْوِ لَفْظِ الْوَقْفِ؛ وَعَلَيْهِ فَلَوْ غَرَسَ إنْسَانٌ فِي الْمَسْجِدِ، أَوْ الشَّارِعِ وَجُهِلَ قَصْدُهُ وَمَاتَ فَهَلْ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ لِلْمَسْجِدِ، أَوْ الشَّارِعِ، أَوْ الْمُسْلِمِينَ حَمْلًا عَلَى الْوَجْهِ الْمُحْتَرَمِ فَلَا حَقَّ فِيهَا لِلْوَرَثَةِ، أَوْ عَلَى أَنَّهَا لِنَفْسِهِ فَتَكُونُ لِلْوَرَثَةِ وَيُؤْمَرُونَ بِقَلْعِهَا. فِي ذَلِكَ نَظَرٌ فَلْيُرَاجَعْ
(قَوْلُهُ: وَقَضِيَّتُهُ جَوَازُ إلَخْ) اعْتَمَدَهُ م ر (قَوْلُهُ: حَيْثُ لَا ضَرَرَ) إلَّا أَنْ يُقَالَ تَوَقُّعُ الضَّرَرِ فِي الشَّارِعِ أَكْثَرُ فَامْتَنَعَ مُطْلَقًا وَهُوَ الْأَقْرَبُ لِكَلَامِهِمْ حَجَرٌ (قَوْلُهُ: وَبِهِ جَزَمَ ابْنُ الرِّفْعَةِ) اعْتَمَدَهُ م ر (قَوْلُهُ: مِنْ غَيْرِ إنْكَارٍ) وَرَدَّهُ الْأَذْرَعِيُّ بِأَنَّهُ بَعِيدٌ مِنْ كَلَامِهِمْ وَيُؤَدِّي إلَى تَمَلُّكِ الطَّرِيقِ الْمُبَاحَةِ وَبِأَنَّ الْبَنْدَنِيجِيَّ صَرَّحَ بِمَنْعِ بِنَاءِ الدَّكَّةِ عَلَى بَابِ الدَّارِ وَبِأَنَّ الْبُقْعَةَ الْمُنْحَرِفَةَ عَنْ سُنَنِ الطَّرِيقِ قَدْ يَفْزَعُ إلَيْهَا الْمَارَّةُ
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَتَقَدَّمَ حُكْمُهُ) تَقَدَّمَ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ صِحَّةُ بَيْعِ الدَّيْنِ لِغَيْرِ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ لَكِنْ يُشْكِلُ بِأَنَّ مَحَلَّ الصِّحَّةِ حَيْثُ كَانَ الْمَدِينُ مُقِرًّا إلَّا أَنْ يُقَالَ: نُزِّلَ قَوْلُ الْمُشْتَرِي أَنَّهُ مُبْطِلٌ مَنْزِلَةَ إقْرَارِ الْمَدِينِ لِمُبَاشَرَتِهِ الْعَقْدَ. اهـ. ع ش
(قَوْلُهُ: غَرْسًا وَدَكَّةً) حَاصِلُ الْمُعْتَمَدِ عَنْ شَيْخِنَا الرَّمْلِيِّ أَنَّ الدَّكَّةَ يُمْنَعُ مِنْهَا وَلَوْ بِفِنَاءِ دَارِهِ، أَوْ دِعَامَةً لِجِدَارِهِ سَوَاءٌ فِي الْمَسْجِدِ وَالطَّرِيقِ وَإِنْ اتَّسَعَ وَانْتَفَى الضَّرَرُ وَأَذِنَ الْإِمَامُ وَكَانَتْ لِعُمُومِ الْمُسْلِمِينَ وَإِنْ الشَّجَرَةُ فِي الطَّرِيقِ كَذَلِكَ وَتَجُوزُ فِي الْمَسْجِدِ إنْ لَمْ تَضُرَّ بِالْمُصَلِّينَ وَكَانَتْ لِعُمُومِ الْمُسْلِمِينَ كَأَكْلِهِمْ مِنْ ثِمَارِهَا، أَوْ صَرْفِهَا فِي مَصْلَحَتِهِ وَأَنَّ حَفْرَ الْبِئْرِ جَائِزٌ فِي الْمَسْجِدِ وَالطَّرِيقِ بِالشَّرْطَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ. هَذَا مَا فِي