قبل الحديث عن وسائل الانتفاع بالقرآن، وحسن العودة إليه، هناك بعض العوامل التي من شأنها أن تهيئ المرء لحسن الدخول إلى عالم القرآن ..
هذه العوامل هي:
- وضع القرآن على أعلى سلم الأولويات.
- سلامة النطق والترتيل.
الدعاء والتضرع إلى الله:
لعل ما قيل في الصفحات السابقة يرسم إلى حد كبير الصورة المُثلى في التعامل مع القرآن، ويزيل بعضا من الموروثات القديمة عنه، ومع هذا فإن العامل الرئيسي لدخول الواحد منا إلى عالم القرآن، وتذوقه، واستخراج كنوزه هو شدة احتياجه إليه ورغبته فيه.
ليتخيل كل واحد منا أن مرضا قد أصاب عضوا من أعضائه، وأن البحث عن الدواء الذي يشفيه قد أعياه، وأن معاناته من ذلك المرض تزداد يوما بعد يوم، وفي هذه الأثناء يخبره أحد المقربين إليه بأن هناك كتابا به وصفة أكيدة لمرضه، وقد جُربت من قبل وأتت بنتائج مبهرة، لكنه لا يعلم في أي صفحات الكتاب تكون هذه الوصفة.
تُرى ماذا سيكون رد فعل هذا المريض؟ كيف سيتعامل مع هذا الكتاب؟ وكيف ستكون طريقة قراءته له؟ وهل سيسمح لذهنه أن يسرح في سطر منه؟ وإذا ما سرح هل سيتابع القراءة أم سيعود لقراءة ما سرح فيه مرة أخرى؟
بالتأكيد أن هذا المريض سيكون في أعلى درجات اليقظة والاستعداد للتلقي والتنفيذ في كل لقاء له مع هذا الكتاب، وسيقرؤه مرات ومرات حتى يصل لدوائه.
فإن كان هذا فيما يخص البدن الذي سيبلى بعد الموت فماذا لا نفعل ذلك مع القلب، وهو محل نظر الله عز وجل، وبقدر سلامته تكون النجاة يوم القيامة كما قال تعالى: {يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء: 88، 89].
ما الذي يجعلنا ننتظر، والكتاب الذي يحوي الشفاء والهداية بين أيدينا ميسر للذكر .. متواجد في كل بيت .. لا ينقصنا إلا أن نمد أيدينا فنتناوله ونقبل عليه بشعور الملهوف الراغب في الهدى كما قال ابن تيمية رحمه الله: من تدبر القرآن طالبا الهدى منه تبين له طريق الحق.
وقال القرطبي: فإذا استمع العبد إلى كتاب الله تعالى، وسنة نبيه عليه الصلاة والسلام بنية صادقة على ما يحب الله أفهمه الله كما يحب وجعل له في قلبه نورا (?).
فنقطة البداية - إذن - تبدأ مني ومنك، وهي استشعار الحاجة للعودة إلى القرآن .. هذا الشعور لابد أن نترجمه في هيئة دعاء وتضرع إلى الله بأن ييسر لنا فهم كتابه، وحسن تدبره، والعمل بما فيه.
ندعوه سبحانه وتعالى بأن يمنع عنا كل ما يثبط عزائمنا ويبعدنا عن التدبر .. نلح عليه بان يحبب إلى قلوبنا تدبر القرآن، وأن يعلمنا علم القرآن، وينور قلوبنا بنوره .. ولا ينبغي أن يدفعنا تأخر الإجابة إلى اليأس وترك الدعاء، وحسبنا في ذلك ما قاله صلى الله عليه وسلم: «يستجاب لأحدكم مالم يعجل، يقول: قد دعوت فلم يستجب لي» (?).
الامداد بحسب الاستعداد:
أخي: لنعلم جميعا بحسب الاستعداد، كما قال تعالى: {إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا} [الأنفال: 70].
فالبداية من العبد: {إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا} [النساء: 35].
فلنرِ الله من أنفسنا خيرا، ولنكثر من الاستغفار والتوبة، ولنداوم قرع الباب وإن رددنا.
قال رجل لذي النون وهو يعظ الناس: يا شيخ، ما الذي أصنع، كلما وقفت على باب من أبواب المولى صرفني عنه قاطع المحن والبلوى.
قال له: يا أخي كن على باب مولاك كالصبي الصغير مع أمه، كلما ضربته أمه ترامى عليها، وكلما طردته، تقرب إليها، فلا يزال كذلك حتى تضمه إليها (?).