قلت: هذا من الصَّنعة البديعة التي تبلغ بالمجاز الذروة العليا، وهي أن تُساق كلمة مساق المجاز، ثم تُقفَّى بأشكال لها وأخوات إذا تلاحقن، لم يُر كلاماً أحسن ديباجةً، وأكثر ماء ورونقاً منه، وهو المجاز المرشح، وذلك نحو قول العرب في البليد:

كان أذني قلبه خطلاوان، جعلوه كالحمار، ثمَّ رشَّحوا ذلك روماً لتحقيق البلادة، فادَّعَوْا لقلبه أُذنين، وادعوا لهما الخَطَلَ، ليُمثِّلُوا البلادة تمثيلاً تلحقها ببلادة الحمار مشاهدة معاينة، ونحو ذلك:

ولمَّا رأيتُ النَّسْرَ عزَّ ابنَ دَأْيَةٍ ... وعشَّشَ في وكرَيْه، جاش له صدري (?)

لما شبَّه الشيب بالنسر والشعر الفاحم بالغراب، أتبعه ذكر التعشيش والوكر. ونحوه قول بعض فُتّاكهم في أمه:

فما أم الردين وإنْ أدلَّت ... بعالمةٍ بأخلاق الكرامِ

إذا الشيطان قصَّع في قفاها ... تنفَّقناهُ بالحبْلِ التُّؤامِ (?)

أي: إذا دخل الشيطان في قفاها، استخرجناه من نافقائه بالحبل المُثَنَّى المحكم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015