إنِّي إليك لما وَعَدْتَ لَنَاظِرٌ ... نَظَرَ الفقيرِ إلى الغَنِيِّ المُوسِرِ (?)

فإن قيل: إن النظر إذا عُلِّق بالوجه، وعدي بـ " إلى "، كيف يراد به الانتظار؟

قلنا: إن ذلك غير ممتنعٍ، وعلى هذا قول الشاعر:

وجوه يوم بدر ناظرات ... إلى الرحمن يأتي بالخلاص

على أن " إلى " في الآية -على ما قيل- ليس بحرف جرٍّ ولا حرف التعدية، وإنما، هو واحد الآلاء التي هي النعم، فكأنه تعالى قال: وجوهٌ يومئذٍ ناضرة، نعمة (?) ربها ناظرة أي منتظرة، ونِعمَه مترقِّبة.

وقد أجاب شيخنا أبو عبد الله البصري بأن النظر إذا كان بمعنى تقليب الحدقة الصحيحة تعدَّى بـ " إلى " وكذلك إذا كان بمعنى الانتظار، ولا يمتنعُ أن يُعدّى بـ " إلى "، لأن المجازات يُسلك بها مسلك الحقائق، وهذه إشارةٌ إلى أن النظر بمعنى الانتظار مجازٌ، وحقيقته (?): تقليب الحَدَقَة الصحيحة، وليس كذلك، لأن النظر لفظةٌ مشتركةٌ بين معانٍ كثيرةٍ على ما مرّ.

وبعد: فإذا جاز تعليق (?) النظر بالعين، ويراد به الانتظار، جاز أن يُعلَّق بالوجه أيضاً، ويُراد به الانتظار. ومعلوم أنهم يعلقون (?) النظر بالعين، ويُعدُّونه بـ " إلى "، ويريدون به (?) الانتظار. وعلى هذا قال (?) الشاعر:

يَراه على قُرْبِ وإن بَعُدَ المدى ... بأعيُنِ آمالٍ إليك نَوَاظِرِ

على أن الوجه ها هنا ليس بمقصودٍ، وأن المقصود صاحب الوجه، كما قال

طور بواسطة نورين ميديا © 2015