وَإِنْ كَانَ فِيهِ خِيَارٌ فَهُوَ عَلَى عَاقِلَةِ الَّذِي تَصِيرُ لَهُ، لِأَنَّهُ إنَّمَا أَنْزَلَ قَاتِلًا بِاعْتِبَارِ التَّقْصِيرِ فِي الْحِفْظِ وَلَا يَجِبُ إلَّا عَلَى مَنْ لَهُ وِلَايَةُ الْحِفْظِ، وَالْوِلَايَةُ تُسْتَفَادُ بِالْمِلْكِ وَلِهَذَا كَانَتْ الدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَةِ صَاحِبِ الدَّارِ دُونَ الْمُودِعِ، وَالْمِلْكُ لِلْمُشْتَرِي قَبْلَ الْقَبْضِ فِي الْبَيْعِ الْبَاتِّ، وَفِي الْمَشْرُوطِ فِيهِ الْخِيَارُ يُعْتَبَرُ قَرَارُ الْمِلْكِ كَمَا فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ. وَلَهُ أَنَّ الْقُدْرَةَ عَلَى الْحِفْظِ بِالْيَدِ لَا بِالْمِلْكِ؛ أَلَا يَرَى أَنَّهُ يَقْتَدِرُ عَلَى الْحِفْظِ بِالْيَدِ دُونَ الْمِلْكِ وَلَا يَقْتَدِرُ بِالْمِلْكِ دُونَ الْيَدِ، وَفِي الْبَاتِّ الْيَدُ لِلْبَائِعِ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَكَذَا فِيمَا فِيهِ الْخِيَارُ لِأَحَدِهِمَا قَبْلَ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّهُ دُونَ الْبَاتِّ، وَلَوْ كَانَ الْمَبِيعُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي وَالْخِيَارُ لَهُ فَهُوَ أَخَصُّ النَّاسِ بِهِ تَصَرُّفًا، وَلَوْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ فَهُوَ فِي يَدِهِ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ بِالْقِيمَةِ كَالْمَغْصُوبِ فَتُعْتَبَرُ يَدُهُ إذْ بِهَا يَقْدِرُ عَلَى الْحِفْظِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــQتَصِيرُ لَهُ وَدَلِيلُهُمَا وَاضِحٌ. وَقَوْلُهُ (وَلِهَذَا) أَيْ وَلِكَوْنِ وِلَايَةِ الْحِفْظِ تُسْتَفَادُ بِالْمِلْكِ (كَانَتْ الدِّيَةُ) فِي هَذَا الْمَوْضِعِ (عَلَى عَاقِلَةِ صَاحِبِ الدَّارِ دُونَ الْمُودَعِ) لِعَدَمِ مِلْكِهِ وَإِنْ كَانَ لَهُ بُدٌّ، وَكَذَا دَلِيلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَاضِحٌ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْجَوَابَ عَنْ فَصْلِ الْوَدِيعَةِ الْمُسْتَشْهَدِ بِهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ انْدَرَجَ فِي دَلِيلِهِ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ قَالَ (إنَّ الْقُدْرَةَ عَلَى الْحِفْظِ بِالْيَدِ) أَطْلَقَ الْيَدَ وَالْمُطْلَقُ يَنْصَرِفُ إلَى الْكَامِلِ وَالْكَامِلُ فِي الْيَدِ مَا كَانَ أَصَالَةً وَيَدُ الْمُودَعِ لَيْسَتْ كَذَلِكَ، وَكَذَلِكَ الْمُسْتَعِيرُ وَالْمُسْتَأْجِرُ. قِيلَ مَا الْفَرْقُ لِأَبِي حَنِيفَةَ بَيْنَ الْجِنَايَةِ وَصَدَقَةِ الْفِطْرِ فَإِنَّهُ يُعْتَبَرُ أَلْبَتَّةَ الْمِلْكُ فِي الثَّانِيَةِ دُونَ الْأُولَى، وَالْجَوَابُ أَنَّ صَدَقَةَ الْفِطْرِ مُؤْنَةُ الْمِلْكِ فَكَانَتْ عَلَى الْمَالِكِ، وَالْجِنَايَةُ مُوجِبَةٌ لِلضَّمَانِ بِتَرْكِ الْحِفْظِ، وَالْحِفْظُ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ بِالْيَدِ لِمَا ذُكِرَ مِنْ الدَّلِيلِ.