وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَمَرَ بَعْضَ أَصْحَابِهِ بِذَلِكَ، وَلِأَنَّهُ لَيْسَ بِعَبَثٍ لِمَا فِيهِ مِنْ الْغَرَضِ الصَّحِيحِ وَهُوَ التَّذَكُّرُ عَنْدَ النِّسْيَانِ.

(فَصْلٌ فِي الْوَطْءِ وَالنَّظَرِ وَاللَّمْسِ) :

قَالَ (وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَنْظُرَ الرَّجُلُ إلَى الْأَجْنَبِيَّةِ إلَّا وَجْهَهَا وَكَفَّيْهَا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [النور: 31] قَالَ عَلِيٌّ وَابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -؛ مَا ظَهَرَ مِنْهَا الْكُحْلُ وَالْخَاتَمُ، وَالْمُرَادُ مَوْضِعُهُمَا وَهُوَ الْوَجْهُ وَالْكَفُّ، كَمَا أَنَّ الْمُرَادَ بِالزِّينَةِ الْمَذْكُورَةِ مَوْضِعُهَا، وَلِأَنَّ فِي إبْدَاءِ الْوَجْهِ وَالْكَفِّ ضَرُورَةً لِحَاجَتِهَا إلَى الْمُعَامَلَةِ مَعَ الرِّجَالِ أَخْذًا وَإِعْطَاءً وَغَيْرَ ذَلِكَ، وَهَذَا تَنْصِيصٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يُبَاحُ النَّظَرُ إلَى قَدِمَهَا. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ

ـــــــــــــــــــــــــــــQالثِّقَاتِ، إلَّا أَنَّ اللَّيْثَ ذَكَرَ الرَّتَمَ بِمَعْنَى الرَّتِيمَةِ وَهِيَ خَيْطُ التَّذْكِرَةِ يُعْقَدُ بِالْأُصْبُعِ، وَكَذَلِكَ الرَّتَمَةُ، قَالَ الشَّاعِرُ:

إذَا لَمْ تَكُنْ حَاجَاتُنَا فِي نُفُوسِكُمْ ... فَلَيْسَ بِمُغْنٍ عَنْك عَقْدُ الرَّتَائِمِ

وَالتِّعْقَادُ مَصْدَرٌ بِمَعْنَى الْعَقْدِ لِلْمُبَالَغَةِ عَلَى وَزْنِ التِّفْعَالِ كَالتِّهْذَارِ وَالتِّلْعَابِ بِمَعْنَى الْهَذَرِ وَاللَّعِبِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

[فَصْلٌ فِي الْوَطْءِ وَالنَّظَرِ وَاللَّمْسِ]

مَسَائِلُ النَّظَرِ أَرْبَعٌ: نَظَرُ الرَّجُلِ إلَى الْمَرْأَةِ، وَنَظَرُهَا إلَيْهِ، وَنَظَرُ الرَّجُلِ إلَى الرَّجُلِ، وَنَظَرُ الْمَرْأَةِ إلَى الْمَرْأَةِ. وَالْأُولَى عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ: نَظَرُهُ إلَى الْأَجْنَبِيَّةِ الْحَرَّةِ، وَنَظَرُهُ إلَى مَنْ يَحِلُّ لَهُ مِنْ الزَّوْجَةِ وَالْأَمَةِ، وَنَظَرُهُ إلَى ذَوَاتِ مَحَارِمِهِ، وَنَظَرُهُ إلَى أَمَةِ الْغَيْرِ. قَالَ (وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَنْظُرَ الرَّجُلُ إلَى الْأَجْنَبِيَّةِ إلَخْ) الْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ نَظَرُ الرَّجُلِ إلَى الْأَجْنَبِيَّةِ مِنْ قَرْنِهَا إلَى قَدَمِهَا، إلَيْهِ أَشَارَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْمَرْأَةُ عَوْرَةٌ مَسْتُورَةٌ» ثُمَّ أُبِيحَ النَّظَرُ إلَى بَعْضِ الْمَوَاضِعِ وَهُوَ مَا اسْتَثْنَاهُ فِي الْكِتَابِ بِقَوْلِهِ (إلَّا وَجْهَهَا وَكَفَّيْهَا) لِلْحَاجَةِ وَالضَّرُورَةِ وَكَانَ ذَلِكَ اسْتِحْسَانًا لِقَوْلِهِ أَرْفَقَ بِالنَّاسِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [النور: 31] وَفَسَّرَ ذَلِكَ عَلِيٌّ وَابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - بِالْكُحْلِ وَالْخَاتَمِ، وَالْمُرَادُ مَوْضِعُهُمَا.

وَقَوْلُهُ (وَلِأَنَّ فِي إبْدَاءِ الْوَجْهِ وَالْكَفِّ ضَرُورَةً) دَلِيلٌ مَعْقُولٌ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015