حَجَرٍ وَيَجْعَلَ الْفَصَّ إلَى بَاطِنِ كَفِّهِ بِخِلَافِ النِّسْوَانِ؛ لِأَنَّهُ تَزَيُّنٌ فِي حَقِّهِنَّ، وَإِنَّمَا يَتَخَتَّمُ الْقَاضِي
وَالسُّلْطَانُ لِحَاجَتِهِ
إلَى الْخَتْمِ، وَأَمَّا غَيْرُهُمَا فَالْأَفْضَلُ أَنْ يَتْرُكَهُ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ
. قَالَ (وَلَا بَأْسَ بِمِسْمَارِ الذَّهَبِ يُجْعَلُ فِي حَجَرِ الْفَصِّ) أَيْ فِي ثُقْبِهِ؛ لِأَنَّهُ تَابِعٌ كَالْعَلَمِ فِي الثَّوْبِ فَلَا يُعَدُّ لَابِسًا لَهُ. قَالَ (وَلَا تُشَدُّ الْأَسْنَانُ بِالذَّهَبِ وَتُشَدُّ بِالْفِضَّةِ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا بَأْسَ بِالذَّهَبِ أَيْضًا. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ مِثْلَ قَوْلِ كُلٍّ مِنْهُمَا. لَهُمَا «أَنَّ عَرْفَجَةَ بْنَ أَسْعَدَ الْكِنَانِيَّ أُصِيبَ أَنْفُهُ يَوْمَ الْكِلَابِ فَاِتَّخَذَ أَنْفًا مِنْ فِضَّةٍ فَأَنْتَنَ. فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِأَنْ يَتَّخِذَ أَنْفًا مِنْ ذَهَبٍ» وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْأَصْلَ فِيهِ التَّحْرِيمُ وَالْإِبَاحَةُ
لِلضَّرُورَةِ
، وَقَدْ انْدَفَعَتْ بِالْفِضَّةِ وَهِيَ الْأَدْنَى فَبَقِيَ الذَّهَبُ عَلَى التَّحْرِيمِ.
وَالضَّرُورَةُ فِيمَا رُوِيَ لَمْ تَنْدَفِعْ فِي الْأَنْفِ دُونَهُ حَيْثُ أَنْتَنَ. قَالَ (وَيُكْرَهُ أَنْ يَلْبَسَ الذُّكُورُ مِنْ الصِّبْيَانِ الذَّهَبَ وَالْحَرِيرَ) ؛ لِأَنَّ التَّحْرِيمَ لَمَّا ثَبَتَ فِي حَقِّ الذُّكُورِ وَحَرُمَ اللُّبْسُ حَرُمَ الْإِلْبَاسُ كَالْخَمْرِ لَمَّا حَرُمَ شُرْبُهَا حَرُمَ سَقْيُهَا. قَالَ (وَتُكْرَهُ الْخِرْقَةُ الَّتِي تُحْمَلُ فَيُمْسَحُ بِهَا الْعَرَقُ) ؛ لِأَنَّهُ نَوْعُ تَجَبُّرٍ وَتَكَبُّرٍ (وَكَذَا الَّتِي يُمْسَحُ بِهَا الْوُضُوءَ أَوْ يُمْتَخَطُ بِهَا) وَقِيلَ إذَا كَانَ عَنْ حَاجَةٍ لَا يُكْرَهُ وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَإِنَّمَا يُكْرَهُ إذَا كَانَ عَنْ تَكَبُّرٍ وَتَجَبُّرٍ وَصَارَ كَالتَّرَبُّعِ فِي الْجُلُوسِ (وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَرْبِطَ الرَّجُلُ فِي أُصْبُعِهِ أَوْ خَاتَمِهِ الْخَيْطَ لِلْحَاجَةِ) وَيُسَمَّى ذَلِكَ الرَّتَمُ وَالرَّتِيمَةُ. وَكَانَ ذَلِكَ مِنْ عَادَةِ الْعَرَبِ. قَالَ قَائِلُهُمْ: لَا يَنْفَعَنَّكَ الْيَوْمَ إنْ هَمَّتْ بِهِمْ كَثْرَةُ مَا تُوصِي وَتَعْقَادُ الرَّتَمِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» . وَلِأَنَّ النَّهْيَ عَنْ اسْتِعْمَالِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ سَوَاءٌ. فَلَمَّا حَلَّ التَّخَتُّمُ بِالْفِضَّةِ لِقِلَّتِهِ وَلِكَوْنِهِ نَمُوذَجًا وَجُعِلَ كَالْعَلَمِ فِي الثَّوْبِ فَكَذَا فِي الْآخَرِ.
وَالْجَوَابُ أَنَّهُ مَنْسُوخٌ بِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - " أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ ذَلِكَ " وَرُوِيَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اتَّخَذَ خَاتَمًا مِنْ ذَهَبٍ فَاِتَّخَذَ النَّاسُ خَوَاتِيمَ ذَهَبٍ فَرَمَاهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ: لَا أَلْبَسُهُ أَبَدًا، فَرَمَاهُ النَّاسُ» وَقَوْلُهُ (وَيُجْعَلُ الْفَصُّ إلَى بَاطِنِ كَفِّهِ) أَيْ لِأَنَّهُ رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَكَذَا.
وَقَوْلُهُ (وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مِثْلُ قَوْلِ كُلٍّ مِنْهُمَا) يَعْنِي اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ، فَمِنْهُمْ مَنْ ذَكَرَ قَوْلَهُ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هَكَذَا ذَكَرَهُ الْكَرْخِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَذَكَرَ فِي الْأَمَالِي مَعَ قَوْلِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَالْكُلَابُ بِضَمِّ الْكَافِ وَتَخْفِيفِ اللَّامِ اسْمُ مَاءٍ كَانَتْ عِنْدَهُ وَقْعَةٌ لَهُمْ. وَقَوْلُهُ (وَهُوَ الصَّحِيحُ) لِأَنَّ عَامَّةَ الْمُسْلِمِينَ اسْتَعْمَلُوا هَكَذَا فِي عَامَّةِ الْبُلْدَانِ لِدَفْعِ الْأَذَى عَنْ الثِّيَابِ النَّفِيسَةِ وَمَا رَآهُ الْمُسْلِمُونَ حَسَنًا فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ حَسَنٌ، وَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَمْسَحُ وُضُوءُهُ بِالْخِرْقَةِ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ» فَلَمْ يَكُنْ بِدْعَةً. وَحَاصِلُهُ أَنَّ كُلَّ مَا فُعِلَ عَلَى وَجْهِ التَّجَبُّرِ فَهُوَ مَكْرُوهٌ بِدْعَةٌ، وَمَا فُعِلَ لِحَاجَةٍ وَضَرُورَةٍ لَا يُكْرَهُ، وَهُوَ نَظِيرُ التَّرَبُّعِ فِي الْجُلُوسِ وَالِاتِّكَاءِ. وَمَعْنَى قَوْلِ الشَّاعِرِ أَنَّ الرَّجُلَ إذَا خَرَجَ فِي سَفَرٍ عَمَدَ إلَى شَجَرٍ يُقَالُ لَهُ رَتَمٌ فَشَدَّ بَعْضَ أَغْصَانِهِ بِبَعْضٍ، فَإِذَا رَجَعَ وَأَصَابَهُ عَلَى تِلْكَ الْحَالَةِ قَالَ لَمْ تَخُنِّي امْرَأَتِي، وَإِنْ أَصَابَهُ وَقَدْ انْحَلَّ قَالَ خَانَتْنِي، هَكَذَا الْمَرْوِيُّ عَنْ