أَوْ صِيَانَةً لِأَمْوَالِ النَّاسِ عَنْ التَّوَى، أَوْ تَتْمِيمًا لِلْفَائِدَةِ بِاتِّصَالِ التَّسْلِيمِ بِهِ، ثُمَّ يَلْزَمُ عِنْدَ فَوْتِهِ حُرْمَةُ الرِّبَا وَالْمُمَاثَلَةُ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ بِاعْتِبَارِ الصُّورَةِ وَالْمَعْنَى، وَالْمِعْيَارُ يَسْوَى الذَّاتَ، وَالْجِنْسِيَّةُ تَسْوَى الْمَعْنَى
ـــــــــــــــــــــــــــــQأَحَدُهُمَا أَنْقَصَ مِنْ الْآخَرِ لَمْ يَحْصُلْ التَّقَابُلُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ (أَوْ صِيَانَةً لِأَمْوَالِ النَّاسِ عَنْ التَّوَى) لِأَنَّ أَحَدَ الْبَدَلَيْنِ إذَا كَانَ أَنْقَصَ مِنْ الْآخَرِ كَانَ التَّبَادُلُ مُضَيِّعًا لِفَضْلِ مَا فِيهِ الْفَضْلُ (أَوْ تَتْمِيمًا لِلْفَائِدَةِ بِاتِّصَالِ التَّسْلِيمِ بِهِ) أَيْ بِالْمُمَاثِلِ: يَعْنِي أَنَّ فِي النَّقْدَيْنِ لِكَوْنِهِمَا لَا يَتَعَيَّنَانِ بِالتَّعْيِينِ شُرِطَتْ الْمُمَاثَلَةُ قَبْضًا بَعْدَ مُمَاثَلَةِ كُلٍّ مِنْهُمَا لِلْآخَرِ لِتَتْمِيمِ فَائِدَةِ الْعَقْدِ وَهُوَ ثُبُوتُ الْمِلْكِ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ خَارِجٌ عَنْ الْمَقْصُودِ، إذْ الْمَقْصُودُ بَيَانُ وُجُوبِ الْمُمَاثَلَةِ بَيْنَ الْعِوَضَيْنِ قَدْرًا لَا بَيَانُ الْمُمَاثَلَةِ مِنْ حَيْثُ الْقَبْضُ.
وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ: لَوْ لَمْ يَكُنْ أَحَدُ الْعِوَضَيْنِ مُمَاثِلًا لِلْآخَرِ لَمْ تَتِمَّ الْفَائِدَةُ بِالْقَبْضِ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا أَنْقَصَ يَكُونُ نَفْعًا فِي حَقِّ أَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ وَضَرَرًا فِي حَقِّ الْآخَرِ، وَإِذَا كَانَ مِثْلًا لِلْآخَرِ يَكُونُ نَفْعًا فِي حَقِّهِمَا فَتَكُونُ الْفَائِدَةُ أَتَمَّ بَعْدَ الْقَبْضِ لِكَوْنِهِ نَفْعًا فِي حَقِّهِمَا جَمِيعًا. وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: هَذِهِ الْأَوْجُهُ الثَّلَاثَةُ الْمَذْكُورَةُ لِاشْتِرَاطِ التَّمَاثُلِ مِمَّا يَجِبُ تَحَقُّقُهُ فِي سَائِرِ الْبِيَاعَاتِ لِأَنَّهَا لَا تَنْفَكُّ عَنْ التَّقَابُلِ وَصِيَانَةٍ لِأَمْوَالِ النَّاسِ عَنْ التَّوَى وَتَتْمِيمُ الْفَائِدَةِ مِمَّا يَجِبُ فَيَجِبُ التَّمَاثُلُ فِي الْجَمِيعِ لِئَلَّا تَتَخَلَّفَ الْعِلَّةُ عَنْ الْمَعْلُولِ.
وَالْجَوَابُ أَنَّ مُوجِبَهَا فِي الرِّبَا هُوَ النَّصُّ، وَالْوُجُوهُ الْمَذْكُورَةُ حِكْمَتُهُ لَا عِلَّتُهُ لِيُتَصَوَّرَ التَّخَلُّفُ، وَإِذَا ثَبَتَ اشْتِرَاطُ الْمُمَاثَلَةِ لَزِمَ عِنْدَ فَوَاتِهِ حُرْمَةُ الرِّبَا لِأَنَّ الْمَشْرُوطَ يَنْتَفِي عِنْدَ انْتِفَاءِ شَرْطِهِ. وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: إنَّمَا تَلْزَمُ حُرْمَةُ الرِّبَا عِنْدَ فَوَاتِ شَرْطِ الْحِلِّ إنْ لَمْ تُوجَدْ الْوَاسِطَةُ بَيْنَ الْحِلِّ وَالْحُرْمَةِ، وَهُوَ مَمْنُوعٌ لِأَنَّ الْكَرَاهَةَ وَاسِطَةٌ بَيْنَ الْحِلِّ وَالْحُرْمَةِ. وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْهُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْحُرْمَةِ مَا هُوَ حَرَامٌ لِغَيْرِهِ وَهُوَ بِمَعْنَى الْكَرَاهَةِ، فَعِنْدَ انْتِفَاءِ الْحِلِّ يَثْبُتُ الْحَرَامُ لِغَيْرِهِ وَقَدْ قَرَّرْنَاهُ فِي التَّقْرِيرِ عَلَى وَجْهٍ أَتَمَّ فَلْيُطْلَبْ ثَمَّةَ (قَوْلُهُ: وَالْمُمَاثَلَةُ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ) بَيَانُ عِلِّيَّةِ الْقَدْرِ وَالْجِنْسِ لِوُجُوبِ الْمُمَاثَلَةِ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمُمَاثَلَةَ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ (بِاعْتِبَارِ الصُّورَةِ وَالْمَعْنَى) وَهُوَ وَاضِحٌ (وَالْمِعْيَارِ يَسْوَى الذَّاتَ) أَيْ الصُّورَةَ (وَالْجِنْسِيَّةُ تَسْوَى الْمَعْنَى)