لِأَنَّ الْقِسْمَةَ مِنْ تَمَامِ الْقَبْضِ وَالْقَبْضُ عِنْدَهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ فَكَذَا تَتِمَّتُهُ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا يَجُوزُ لِأَنَّ أَصْلَ الْقَبْضِ عِنْدَهُ شَرْطٌ فَكَذَا مَا يَتِمُّ بِهِ، وَهَذَا فِيمَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ، وَأَمَّا فِيمَا لَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ فَيَجُوزُ مَعَ الشُّيُوعِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ أَيْضًا لِأَنَّهُ يُعْتَبَرُ بِالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ الْمُنَفَّذَةِ إلَّا فِي الْمَسْجِدِ وَالْمَقْبَرَةِ، فَإِنَّهُ لَا يَتِمُّ مَعَ الشُّيُوعِ فِيمَا لَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ أَيْضًا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، لِأَنَّ بَقَاءَ الشَّرِكَةِ يَمْنَعُ الْخُلُوصَ لِلَّهِ تَعَالَى، وَلِأَنَّ الْمُهَايَأَةَ فِيهِمَا فِي غَايَةِ الْقُبْحِ بِأَنْ يُقْبَرَ فِيهِ الْمَوْتَى سَنَةً، وَيُزْرَعَ سَنَةً وَيُصَلَّى فِيهِ فِي وَقْتٍ وَيُتَّخَذَ إصْطَبْلًا فِي وَقْتٍ، بِخِلَافِ الْوَقْفِ لِإِمْكَانِ الِاسْتِغْلَالِ وَقِسْمَةِ الْغَلَّةِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــQوَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّ خُرُوجَ الْمِلْكِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى قُرْبَةٌ لَا يَمْنَعُ التَّصَرُّفَ فِيهِ مِمَّنْ خَرَجَ عَنْهُ. أَلَا تَرَى أَنَّ الْقُرُبَاتِ تَصِيرُ بِالْإِرَاقَةِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى، ثُمَّ إنَّ صَاحِبَهُ يَتَصَرَّفُ فِيهِ بِالْأَكْلِ وَالْإِطْعَامِ وَالتَّصَدُّقِ بِهِ بِتَوْلِيَةِ الشَّرْعِ لِكَوْنِهِ الْمُتَقَرَّبَ بِهِ فَجَازَ أَنْ يَكُونَ أَمْرُ الْوَاقِفِ كَذَلِكَ، بِخِلَافِ الْعَبْدِ فَإِنَّهُ يَصِيرُ مَالِكًا لِمَنَافِعِهِ فَلَا يَعْمَلُ فِيهِ تَصَرُّفُ غَيْرِهِ، وَأَمَّا الْمَسْجِدُ فَالْأَصْلُ الْكَعْبَةُ وَالْمَسْجِدُ الْحَرَامُ فِيهِ سَوَاءٌ الْعَاكِفُ وَالْبَادِ، فَعَلِمْنَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُوَلِّ التَّخْصِيصَ إلَى الَّذِي جَعَلَهُ مَسْجِدًا، وَإِنَّمَا أَلْحَقَهُ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْكَعْبَةِ
(قَوْلُهُ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ مِنْ تَمَامِ الْقَبْضِ) بَيَانُهُ أَنَّ الْقَبْضَ لِلْحِيَازَةِ وَالْحِيَازَةُ فِيمَا يُقْسَمُ إنَّمَا هِيَ بِالْقِسْمَةِ (قَوْلُهُ وَوَقْفُ الْمُشَاعِ جَائِزٌ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ) لَا خِلَافَ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْقِسْمَةَ فِيمَا يُقْسَمُ مِنْ تَمَامِ الْقَبْضِ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ بَيْنَهُمَا فِي أَنَّ أَصْلَ الْقَبْضِ شَرْطٌ أَوْ لَا، عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَيْسَ بِشَرْطٍ فَكَذَا تَمَامُهُ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ شَرْطٌ فَكَذَا تَمَامُهُ، وَأَمَّا فِيمَا لَا يُقْسَمُ فَمُحَمَّدٌ أَيْضًا يُجَوِّزُهُ وَيَعْتَبِرُهُ كَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ الْمُنَفَّذَةِ: أَيْ الصَّدَقَةِ الْخَاضِعَةِ الْمُسَلَّمَةِ إلَى الْفَقِيرِ وَهُوَ احْتِرَازٌ عَنْ الصَّدَقَةِ الْمَوْقُوفَةِ وَهِيَ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ (قَوْلُهُ إلَّا فِي الْمَسْجِدِ وَالْمَقْبَرَةِ) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ وَوَقْفُ الْمُشَاعِ