وَبِخِلَافِ الْمَسْجِدِ لِأَنَّهُ جُعِلَ خَالِصًا لِلَّهِ تَعَالَى وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِهِ، وَهُنَا لَمْ يَنْقَطِعْ حَقُّ الْعَبْدِ عَنْهُ فَلَمْ يَصِرْ خَالِصًا لِلَّهِ تَعَالَى. قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: قَالَ فِي الْكِتَابِ: لَا يَزُولُ مِلْكُ الْوَاقِفِ إلَّا أَنْ يَحْكُمَ بِهِ الْحَاكِمُ أَوْ يُعَلِّقَهُ بِمَوْتِهِ، وَهَذَا فِي حُكْمِ الْحَاكِمِ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّهُ قَضَاءٌ فِي مُجْتَهَدٍ فِيهِ، أَمَّا فِي تَعْلِيقِهِ بِالْمَوْتِ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَزُولُ مِلْكُهُ إلَّا أَنَّهُ تَصَدُّقٌ بِمَنَافِعِهِ مُؤَبَّدًا فَيَصِيرُ بِمَنْزِلَةِ الْوَصِيَّةِ بِالْمَنَافِعِ مُؤَبَّدًا فَيَلْزَمُ، وَالْمُرَادُ بِالْحَاكِمِ الْمَوْلَى، فَأَمَّا الْمُحَكِّمُ فَفِيهِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (وَبِخِلَافِ الْمَسْجِدِ) جَوَابٌ عَنْ قِيَاسِهِمْ الْوَقْفَ عَلَى الْمَسْجِدِ. وَقَوْلُهُ (قَالَ فِي الْكِتَابِ) يَعْنِي مُخْتَصَرَ الْقُدُورِيِّ: لَا يَزُولُ مِلْكُ الْوَاقِفِ إلَّا أَنْ يَحْكُمَ بِهِ الْحَاكِمُ أَوْ يُعَلِّقَهُ بِمَوْتِهِ. صُورَةُ الْحُكْمِ أَنْ يُسَلِّمَ الْوَاقِفُ مَا وَقَفَهُ إلَى الْمُتَوَلِّي ثُمَّ يُرِيدُ أَنْ يَرْجِعَ عَنْهُ فَيُنَازِعَهُ بَعْدَ اللُّزُومِ فَيَخْتَصِمَانِ إلَى الْقَاضِي فَيَقْضِي بِلُزُومِهِ.
وَقَوْلُهُ (فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَزُولُ مِلْكُهُ) يَعْنِي أَنَّ الْمَشَايِخَ اخْتَلَفُوا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، فَقِيلَ يَزُولُ الْمِلْكُ بِالتَّعْلِيقِ بِالْمَوْتِ لِأَنَّهُ وَقْتُ خُرُوجِ الْأَمْلَاكِ عَنْ مِلْكِهِ فَالتَّعْلِيقُ بِهِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مُرَادَهُ الْخُرُوجُ مِنْ الْمِلْكِ. وَقِيلَ لَا يَزُولُ وَهُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّ الْوَاقِفَ تَصَدَّقَ بِالْغَلَّةِ وَهُوَ لَا يَسْتَدْعِي زَوَالَ أَصْلِ الْمِلْكِ، وَلِأَنَّهُ تَصَدَّقَ بِالْغَلَّةِ دَائِمًا، وَلَا يُمْكِنُ التَّصَدُّقُ بِهَا هَكَذَا إلَّا إذَا بَقِيَ أَصْلُ الْمَوْقُوفِ عَلَى مِلْكِهِ، إلَّا أَنَّهُ تَصَدَّقَ بِمَنَافِعِهِ مُؤَبَّدًا فَيَصِيرُ بِمَنْزِلَةِ الْوَصِيَّةِ بِالْمَنَافِعِ مُؤَبَّدًا فَيَلْزَمُهُ.
وَالْمُرَادُ بِالْحَاكِمِ الْمُوَلَّى أَيْ الَّذِي وَلَّاهُ الْخَلِيفَةُ عَمَلَ الْقَضَاءِ. وَأَمَّا الْمُحَكَّمُ وَهُوَ الَّذِي يُفَوَّضُ إلَيْهِ الْحُكْمُ فِي حَادِثَةٍ مُعَيَّنَةٍ بِاتِّفَاقِ الْمُتَخَاصِمَيْنِ فَفِيهِ