ذلك اجتمع في بيت الفرزدق:
وما مثله في الناس إلا مملكاً ... أبو أمه حي أبوه يقاربه
فالتغيير على الأغلب سوء الترتيب؛ لأن التقدير " وما مثله في الناس حي يقاربه إلا مملكاً أبو أمه أبوه " يريد بالمملك هشام بن عبد الملك، والممدوح هو إبراهيم بن هشام خال هشام بن عبد الملك؛ وأما سلوك الطريق الأبعد فقوله " أبو أمه أبوه " وكان يجزئه أن يقول " خاله " وأما المشترك فقوله " حي يقاربه " لأنها لفظة " حي " تشترك فيها القبيلة والحي من سائر الحيوان المتصف بالحياة، قال:
وإذا تفقدت أبيات المعاني لا تخرج عن هذه الأسباب الثلاثة.
وحكى الصولي قال: أنشدني بعض الكتاب عن أحمد بن يحيى ثعلب قول البحتري للحسين بن وهب:
وإذا دجت أقلامه ثم انتحت ... برقت مصابيح الدجى في كتبه
فاللفظ يقرب فهمه من بعده ... منا، ويبعد نيله في قربه
حكم سحائبها خلال بنانه ... هطالة، وقليبها في قلبه
كالروض مؤتلفاً بحمرة نوره ... وبياض زهرته وخضرة عشبه
وكأنها والسمع معقود بها ... وجه الحبيب بدا لعين محبه
واستعادها أبو العباس حتى فهمها، ثم قال: لو سمع الأوائل هذا الشعر لما فضلوا عليه شعراً.
وهذه لمح أتيت بها تدل من عرفها على رداءتها، وتدعو إلى كراهتها واجتنابها، وقد وقعت في أشعار الجلة من المتقدمين، والتمس لهم فيها العذر لأنهم أرباب اللغة وأصحاب اللسان، وليس المولد الحضري منهم في شيء