وإن كان يريدني بها لأعطينها، فلما رأى النعمان اجتماع الناس قال لهم: ليس صاحبها شاهداً، فلما كان من الغداة قال له قومه: انطلق، فانطلق، فدفعها إليه الملك، فقال حاجب بن زرارة: أبيت اللعين، ما هو أحق بها مني، فقال قيس ابن مسعود: أنافره عن أكرمنا قعيدة، وأحسننا أدب ناقة، وأكرمنا لئيم قوم، فبعث معهما النعمان من ينظر ذلك، فلما انتهوا إلى بادية حاجب بن زرارة مروا على رجل من قومه، فقال حاجب: هذا ألأم قومي، وهو فلان بن فلان، والرجل عند حوضه ومورد إبله، فأقبلوا إليه، فقالوا: يا عبد الله؛ دعنا نستقي؛ فإنا قد هلكنا عطشاً وأهلكنا ظهورنا، فتجهم وأبى عليهم، فلما أعياهم قالوا لحاجب: أسفر، فسفر فقال: أنا حاجب بن زرارة، فدعنا فلنشرب، قال: أنت؟ فلا مرحباً بك ولا أهلا، فأتوا بيته، فقالوا لامرأته: هل من منزل يا أمة الله؟ قالت: والله ما رب المنزل شاهد، وما عندنا من منزل، وراودوها على ذلك فأبت، ثم أتوا رجلاً من بكر بن وائل على ماء يورد، قال قيس: هذا والله ألأم قومي، فلما وقفوا عليه قالوا له مثل ما قالوا للآخر فأبى عليهم، وهم أن يضربهم، فقال له قيس بن مسعود: ويلك أنا قيس بن مسعود، فقال له: مرحباً وأهلاً، أورد، ثم أتوا بيته، فوجدوا فيه امرأته وقدرها يئط، فلما رأت الركب من بعيد أنزلت القدر وبردت، فلما انتهوا إليها قالوا: هل عندك يا أمة الله من منزل؟ قالت: نعم أنزلوا في الرحب والسعة، فلما نزلوا طعموا وارتحلوا، فأخذوا ناقتيهما، فأناخوهما على قريتين للنمل؛ فأما ناقة قيس بن مسعود فتضورت وتقلبت ثم لم تنز، وأما ناقة حاجب فمكثت وثبتت، حتى إذا قالوا قد اطمأنت طفقت هاربة، فأتوا الملك فأخبروه بذلك، فقال له: قد كنت يا قيس ذا جد، فأنت اليوم ذو جدين فسمي بذلك ذا الجدين، وقيل:
إنما سمي بذلك لأسيرين أسرهما مرتين، وقيل: بل سبق سبقين، هكذا جاءت الرواية.
والذي أعرف أنا أن ذا الجدين إنما هو عبد الله بن عمرو بن الحارث بن همام