لم يرد أنه يغلب الثنيان ولا يغلب الفحل، لكن أراد التصغير بالذي هجاه، فجعله ثانياً، وقال الآخر:
ومن يفخر بمثل أبي وجدي ... يجئ قبل السوابق وهو ثاني
أراد وهو ثان من عنانه؛ لأنه يسبق متمهلاً.
وقال ابن مقبل:
إن الرفاق أناخوا حول منزله ... حلوا بذي فجرات زنده واري
قال ابن السكيت " بذي فجرات " أي: يتفجر بالسخاء والعطاء، ويدل على ما قال ابن السكيت أن لصيق هذا البيت:
جم المخارج، أخلاق الكريم له، ... صلت الجبين، كريم الخال مغوار
ومما يمدح به ويذم قولهم " هو بيضة البلد " فمن مدح أراد بها أصل الطائر، ومن ذم أراد أنها لا أصل لها، قالت أخت عمرو بن عبدود في علي بن أبي طالب رضي الله عنه لما قتل أخاها:
لو كان قاتل عمرو غير قاتله ... لقد بكيت عليه آخر الأبد
لكن قاتله من لا يعاب به ... وكان يدعى قديماً بيضة البلد
فهذا مدح كما تراه.
وقال الراعي النميري يهجو عدي بن الرقاع العاملي:
لو كنت من أحد يهجى هجوتكم ... يا ابن الرقاع، ولكن لست من أحد
تأبى قضاعة ن ترضى لكم نسباً ... وابنا نزار؛ فأنتم بيضة البلد
وأنشد بعض العلماء:
وإني لظلام لأشعث بائس ... عرانا، ومقرور بري ماله الدهر
وجار قريب الدار، أو ذي جناية ... غريب بعيد الدار ليس له وفر
يظنه السامع هجا نفسه بظلم هؤلاء الذين ذكر، إنما مدحها بأنه يظلم