أولئك قوم لم يشيموا سيوفهم ... ولم تكثر القتلى بها حين سلت
أراد لم يغمدوا سيوفهم إلا بعد أن كثرت بها القتلى، كما تقول: لم أضربك ولم تجن علي إلا بعد أن جنيت علي؛ وقال آخرون: أراد لم يسلوا سيوفهم إلا وقد كثرت بها القتلى، كما تقول: لم ألقك ولم أحسن إليك إلا وقد أحسنت إليك، والقولان جميعاً صحيحان؛ لأنه من الأضداد.
وينشدون قول الآخر:
هجمنا عليه وهو يكعم كلبه ... دع الكلب ينبح إنما الكلب نابح
ويروى:
دفعت إليه وهو يخنق كلبه ... ألا كل كلب لا أبا لك نابح
قالوا: فالمدح أن يكون إنما يكعمه لئلا يعقر الضيوف، والذم أن يكون ذلك لئلا ينبح فيدل عليه الضيف، وأنا أعرف هذا البيت في هجاء محض للراعي هجا به الحطيئة، وهو:
ألا قبح الله الحطيئة؛ إنه ... على كل من وافى من الناس سالح
ويروى: على كل ضيف ضافه فهو سالح
هجمنا عليه وهو يكعم كلبه ... دع الكلب ينبح إنما الكلب نابح
بكيت على مذق خبيث قريته ... ألا كل عبسي على الزاد نائح
وأنشدنا أبو عبد الله:
تجنبك الجيوش أبا خبيب ... وجاد على منازلك السحاب
ويروى: أبا ربيب قال: إن دعا له فإنما أراد أن يعافي من الجيوش، وأن يجوده السحاب فتخصب أرضه، وإن دعا عليه قال: لا بقي لك خير تطمع فيه الجيوش، فهي تتجنب ديارك لعلمهم بقلة الخير عندك، ويدعو على محلته بأن تدرسها الأمطار.