ومن مليح التهكم والاستخفاف قول أبي هفان:
سليمان ميمون النقيبة حازم ... ولكنه وقف عليه الهزائم
ألا عوذوه من توالي فتوحه ... عساه ترد العين عنه التمائم
وفيه يقول ابن الرومي:
قرن سليمان قد أضر به ... شوق إلى وجهه سيتلفه
كم يعد القرن باللقاء؟ وكم ... يكذب في وعده ويخلفه؟
لا يعرف القرن وجهه، ويرى ... قفاه من فرسخ فيعرفه
أخذ معنى البيت الأخير من قول الخارجي وقد قال له المنصور: أي أصحابي كان أشد إقداماً في مبارزتكم؟ فقال: ما أعرف وجوههم، ولكن أعرف أقفاءهم، فقل لهم يدبروا لأعرف.
وأجود ما في الهجاء أن يسلب الإنسان الفضائل النفسية وما تركب من بعضها مع بعض، فأما ما كان في الخلقة الجسمية من المعايب فالهجاء به دون ما تقدم، وقدامة لا يراه هجواً البتة، وكذلك ما جاء من قبل الآباء والأمهات من النقص والفساد لا يراه عيباً، ولا يعد الهجو به صواباً، والناس إلا من لا يعد قلة على خلاف رأيه، وكذلك يوجد في الطباع وقد جاء ما أكد ذلك من أحكام الشريعة.
وقد جمع السيد أبو الحسن أنواع الفضائل وسلبها بعض من رأى ذلك فيه صواباً، فقال:
وخل لا سبيل لصرم حبله ... تعرض لي بحتف فرط جهله
ردي الظن لا يأوي لخلق ... ولا يؤوى إليه لسوء فعله
يصدق هاجساً يغري، ويغرى ... بتكذيب العيان لضعف عقله
ويشنأ كل ذي دين وعلمٍ ... وأصل ثابت لفساد أصله