فلو أن ما أبقين مني معلق ... بعود تمام ما تأود عودها
فقال: هذا متجاوز، وأحسن الشعر ما قارب فيه القائل إذا شبه، وأحسن منه ما أصاب الحقيقة فيه، انقضى كلامه.
وأصح الكلام عندي ما قام عليه الدليل، وثبت فيه الشاهد من كتاب الله تعالى، ونحن نجده قد قرن الغلو فيه بالخروج عن الحق؛ فقال جل من قائل: " يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم غير الحق ".
والغلو عند قدامة: تجاوز في نعت ما للشيء أن يكون عليه، وليس خارجاً عن طباعه، كقول النمر بن تولب في صفة سيف شبه به نفسه:
تظل تحفر عنه إن ضربت به ... بعد الذراعين والساقين والهادي
إذ ليس خارجاً عن طباع السيف أن يقطع الشيء العظيم ثم يغوص بعد ذلك في الأرض، ولأن مخارج الغلو عنده على " تكاد " وعلى هذا تأول أصحاب التفسير قول الله تعالى: " وبلغت القلوب الحناجر " أي: كادت.
وقال الجرجاني في كتاب الوساطة: والإفراط مذهب عام في المحدثين، وموجود كثير في الأوائل، والناس فيه مختلفون: من مستحسن قابل، ومستقبح راد، وله رسوم متى وقف الشاعر عندها ولم يتجاوز بالوصف حدها سلم، ومتى تجاوزها اتسعت له الغاية، وأدته الحال إلى الإحالة، وإنما الإحالة نتيجة الإفراط، وشعبة من الإغراق.
وقال الحاتمي: وجدت العلماء بالشعر يعيبون على الشاعر أبيات الغلو والإغراق، ويختلفون في استحسانها واستهجانها، ويعجب بعض منهم بها، وذلك على حسب ما يوافق طباعه واختياره، ويرى أنها من إبداع الشاعر الذي يوجب الفضيلة له، فيقولون: أحسن الشعر أكذبه، وأن الغلو إنما يراد به المبالغة والإفراط، وقالوا: إذا أتى الشاعر من الغلو بما يخرج عن