فمن أحسن المبالغة وأغربها عند الحذاق: التقصي، وهو بلوغ الشاعر أقصى ما يمكن من وصف الشيء، كقول عمرو بن الأيهم التغلبي:

ونكرم جارنا ما دام فينا ... ونتبعه الكرامة حيث كانا

فتقصى بما يمكن أن يقدر عليه فتعاطاه ووصف به قومه.

ومن أغربها أيضاً ترادف الصفات، وفي ذلك تهويل مع صحة لفظ لا تحيل معنى، كقول الله تعالى: " أو كظلمات في بحر لجىً يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب، ظلمات بعضها فوق بعضٍ ".

فأما الغلو فهو الذي ينكره من ينكر المبالغة من سائر أنواعها، ويقع فيه الاختلاف لا ما سواه مما بينت، ولو بطلت المبالغة كلها وعيبت لبطل التشبيه وعيبت الاستعارة، إلى كثير من محاسن الكلام: فمن أبيات المبالغة قول امرئ القيس:

كأن المدام وصوب الغمام ... وريح الخزامى ونشر القطر

يعل به برد أنيابها ... إذا غرد الطائر المستحر

فوصف فاها بهذه الصفة سحراً عند تغيير الأفواه بعد النوم، فكيف تظنها في أول الليل؟! ومثل ذلك قوله يصف ناراً وإن كان فيه إغراق:

نظرت إليها، والنجوم كأنها ... مصابيح رهبان، تشب لقفال

يقول: نظرت إلى نار هذه المرأة تشب لقفال والنجوم كأنها مصابيح رهبان، وقد قال:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015