أشكل وأولى بمعناه، ومنزلة الالتفات في وسط البيت كمنزلة الاستطراد في آخر البيت، وإن كان ضده في التحصيل؛ لأن الالتفات تأتي به عفواً وانتهازاً، ولم يكن لك في خلد فتقطع له كلامك، ثم تصله بعد إن شئت، والاستطراد تقصده في نفسك، وأنت تحيد عنه في لفظك حتى تصل به كلامك عند انقطاع آخره، أو تلقيه إلقاء وتعود إلى ما كنت فيه.

وقد جاء الالتفات في آخر البيت نحو قول امرئ القيس:

أبعد الحارث الملك بن عمرو ... له ملك العراق إلى عمان

مجاورةً بني شمجي بن جرم ... هواناً ما أتيح من الهوان

ويمنحها بنو شمجي بن جرمٍ ... معيزهم، حنانك ذا الحنان

فقوله ما أتيح من الهوان وقوله حنانك ذا الحنان الالتفات وحكى عن إسحاق الموصلي أنه قال: قال الأصمعي: أتعرف التفات جرير؟ قلت: وما هو؟ فأنشدني:

أتنسى إذ تودعنا سليمى ... بعود بشامة، سقي البشام!

ثم قال: أما تراه مقبلاً على شعره، إذ التفت إلى البشام فدعا له، وأنشد له عبد الله المعتز:

متى كان الخيام بذي طلوحٍ ... سقيت الغيث أيتها الخيام.

وأنشد له أيضاً ابن المعتز:

طرب الحمام بذي الأراك فهاجني ... لا زلت في غللٍ وأيك ناضر

لم يعد ابن المعتز إلا ما كان من هذا النوع، وإلا فهو اعتراض كلام في كلام وقد أحسن ابن المعتز في العبارة عن الالتفات بقوله " هو انصراف المتكلم من الإخبار إلى المخاطبة ومن المخاطبة إلى الإخبار " وتلا قوله تعالى: " حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبة ".

وأنشد غيره لأبي عطاء السندي يرثي يزيد بن عمر بن هبيرة:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015