وحمل قوم قول امرئ القيس فثوباً لبست وثوباً أجر على أنه تكرار لا ترديد فيه، وهذا هو الخطأ البين، وأي ترديد يكون أحسن من هذا؟ وقد أفاد الثاني غير إفادة الأول حسب ما شرطوا.
ومثله قول بعض الأعراب في مدح هارون الرشيد:
جهير الكلام جهير العطاس ... جهير الرواء جهير النغم
ومن أملح ما سمعته قول ابن العميد:
فإن كان مسخوطاً فقل شعر كاتب ... وإن كان مرضياً فقل شعر كاتب
وهو داخل عندي في باب الترديد؛ إذ كان قوله عند السخط شعر كاتب إنما معناه التقصير به، وبسط العذر له؛ إذ ليس الشعر من صناعته كما حكى ابن النحاس أنهم يقولون " نحو كتابي " إذا لم يكن مجوداً، وقوله عند الرضا شعر كاتب إنما معناه التعظيم له، وبلوغ النهاية في الظرف والملاحة؛ لمعرفة الكتاب باختيار الألفاظ وطرق البلاغات، فقد ضاد وطابق في المعنى، وإن كان اللفظ تجنيساً مردداً.
وسمع أبو الطيب باستحسان هذا النوع فجعله نصب عينيه حتى مقته وزهد فيه، ولو لم يكن إلا بقوله:
فقلقلت بالهم الذي قلقل الحشا ... قلاقل عيشٍ كلهن قلاقل
فهذه الألفاظ كما قال كلهن قلاقل، ونحو ذلك قوله:
أسد فرائسها الأسود، يقودها ... أسد، تكون له الأسود ثعالبا
فما أدري كيف تخلص من هذه الغابة المملوءة أسوداً؟ ولا أقول إنه بيت شعر، وأين يقع هذا من قول غيره:
فصبح الوصال وليل الشباب ... وصبح المشيب وليل الصدود