وأكثر المولدين اختراعاً وتوليداً فيما يقول الحذاق أبو تمام، وابن الرومي.
والفرق بين الاختراع والإبداع وإن كان معناهما في العربية واحداً أن الاختراع: خلق المعاني التي لم يسبق إليها، والإتيان بما لم يكن منها قط، والإبداع إتيان الشاعر بالمعنى المستظرف، والذي لم تجر العادة بمثله، ثم لزمته هذه التسمية حتى قيل له بديع وإن كثر وتكرر، فصار الاختراع للمعنى والإبداع للفظ؛ فإذا تم للشاعر أن يأتي بمعنى مخترع في لفظ بديع فقد استولى على الأمد، وحاز قصب السبق.
واشتقاق الاختراع من التليين يقال: " بيت خرع " إذا كان ليناً، والخروع فعول منه، فكأن الشاعر سهل طريقة هذا المعنى ولينه حتى أبرزه.
وأما البديع فهو الجديد، وأصله في الحبال، وذلك أن يفتل جديداً ليس من قوى حبل نقضت ثم فتلت فتلاً آخر. وأنشدوا للشماخ بن ضرار:
أطار عقيقه عنه نسالا ... وأدمج دمج ذي شطر بديع
والبديع ضروب كثيرة، وأنواع مختلفة، أنا أذكر منها ما وسعته القدرة وساعدت فيه الفكرة، إن شاء الله تعالى، على أن ابن المعتز وهو من جمع البديع، وألف فيه كتاباً لم يعده إلا خمسة أبواب: الاستعارة أولها، ثم التجنيس، ثم المطابقة، ثم رد الأعجاز على الصدور، ثم المذهب الكلامي، وعد ما سوى هذه الخمسة أنواع محاسن، وأباح أن يسميها من شاء ذلك بديعاً، وخالفه من بعده في أشياء منها يقع التنبيه عليها والاختيار فيها حيثما وقعت من هذا الكتاب، إن شاء الله تعالى.
العرب كثيراً ما تستعمل المجاز، وتعده من مفاخر كلامها؛ فإنه دليل الفصاحة، ورأس البلاغة، وبه بانت لغتها عن سائر اللغات.