وبعد، فإن الشعر قفل أوله مفتاحه، وينبغي للشاعر أن يجود ابتداء شعره؛ فإنه أول ما يقرع السمع، وبه يستدل على ما عنده من أول وهلة، وليجتنب " ألا " و " خليلي " و " قد " فلا يستكثر منها في ابتدائه؛ فإنها من علامات الضعف والتكلان، إلا للقدماء الذين جروا على عرق، وعملوا على شاكلة، وليجعله حلواً سهلاً، وفخماً جزلاً، فقد اختار الناس كثيراً من الابتداءات أذكر منها ههنا ما أمكن ليستدل به، نحو قول امرئ القيس:
قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل.
وهو عندهم أفضل ابتداء صنعه شاعر؛ لأنه وقف واستوقف وبكى واستبكى وذكر الحبيب والمنزل في مصراع واحد، وقوله:
ألا عم صباحاً أيها الطلل البالي.
ومثله قول القطامي واسمه عمير بن شييم التغلبي:
إنا محيوك فاسلم أيها الطلل.
وكقول النابغة:
كليني لهم يا أميمة ناصب ... وليل أقاسيه بطيء الكواكب
وقوله:
كتمتك ليلاً بالجمومين ساهراً ... وهمين هماً مستكناً وظاهراً