فوالى بين ثلاثة أبيات مصرعة في القصيدة، وقد يجعلون أولها:
أحار بن عمرو كأني خمر ... ويعدو على المرء ما يأتمر
وقال عنترة العبسي:
أعياك رسم الدار لم يتكلم ... حتى تكلم كالأصم الأعجم
ثم قال بعد بيت واحد:
هل غادر الشعراء من متردم ... أم هل عرفت الدار بعد توهم؟
يا دار عبلة بالجواء تكلمي ... وعمي صباحاً دار عبلة واسلمي
فصرع البيت الأول والثالث والرابع.
وقولنا في شعر امرئ القيس وعنترة وغيرهما مما يستأنف مصرع إنما هو مجاز وجرى على عادة الناس؛ لئلا يخرج عن المتعارف، وإلا فقد بينت ذلك أولاً.
ومن الناس من لم يصرع أول شعره قلة اكتراث بالشعر، ثم يصرع بعد ذلك، كما صنع الأخطل إذ يقول أول قصيدة:
حلت صبيرة أمواه العداد وقد ... كانت تحل وأدنى دارها نكد
وأقفر اليوم ممن حله الثمد ... فالشعبتان فذاك الأبلق الفرد
فصرع البيت الثاني دون الأول.. وقال ذو الرمة أول قصيدة:
أداراً بحزوى هجت للعين عبرة ... فماء الهوى يرفض أو يترقرق
ثم قال بعد عدة أبيات:
أمن مية اعتاد الخيال المؤرق؟ ... نعم؛ إنها مما على النأي تطرق
وكان الفرزدق قليلاً ما يصرع أو يلقي بالاً بالشعر، كقوله:
ألم تر أني يوم جو سويقة ... بكيت فنادتني هنيدة ماليا
فجاء بمثل هذه القصيدة الجليلة غير مصرعة. وكذلك قوله يرد على جرير: