وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ أَيْضا فِي الْأَسْنَى الْأَكْثَر من الْمُتَقَدِّمين والمتأخرين يَعْنِي الْمُتَكَلِّمين يَقُولُونَ إِذا وَجب تَنْزِيه الْبَارِي جلّ جَلَاله عَن الْجِهَة والتحيز فَمن ضَرُورَة ذَلِك ولواحقه اللَّازِمَة عِنْد عَامَّة الْعلمَاء الْمُتَقَدِّمين وَقَادَتهمْ الْمُتَأَخِّرين تَنْزِيه الْبَارِي عَن الْجِهَة فَلَيْسَ لجِهَة فَوق عِنْدهم لِأَنَّهُ يلْزم من ذَلِك عِنْدهم أَنه مَتى اخْتصَّ بِجِهَة أَن يكون فِي مَكَان وحيز وَيلْزم على الْمَكَان والحيز وَالْحَرَكَة والسكون للتحيز والتغير والحدوث
هَذَا قَول الْمُتَكَلِّمين // قلت نعم هَذَا مَا اعْتَمدهُ نفاة علو الرب عز وَجل وأعرضوا عَن مُقْتَضى الْكتاب وَالسّنة وأقوال السّلف وَفطر الْخَلَائق
وَيلْزم مَا ذَكرُوهُ فِي حق الْأَجْسَام وَالله تَعَالَى لَا مثل لَهُ ولازم صرائح النُّصُوص حق وَلَكنَّا لَا نطلق عبارَة إِلَّا بأثر ثمَّ نقُول لَا نسلم كَون الْبَارِي على عَرْشه فَوق السَّمَوَات يلْزم مِنْهُ أَنه فِي حيّز وجهة إِذْ مَا دون الْعَرْش يُقَال فِيهِ حيّز وجهات وَمَا فَوْقه فَلَيْسَ هُوَ كَذَلِك
وَالله فَوق عَرْشه كَمَا أجمع عَلَيْهِ الصَّدْر الأول وَنَقله عَنْهُم الْأَئِمَّة
وَقَالُوا ذَلِك رادين على الْجَهْمِية الْقَائِلين بِأَنَّهُ فِي كل مَكَان محتجين بقوله {وَهُوَ مَعكُمْ} فهذان الْقَوْلَانِ هما اللَّذَان كَانَا فِي زمن التَّابِعين