وفي كتابه الآخر نحو نقد العقل الإسلامي (222) نصح أركون -وهو الناصح الأمين للغرب وفلسفته- بكتاب التوليد الخيالي للمجتمعات البشرية، وكتاب التشكيل الاجتماعي للواقع: وزاد: وكذلك ينبغي الاطلاع على مؤلفات فرويد وأتباعه الذين لا يحصون ولا يعدون عن الدين بصفته الوهم الكبير.
أي: الدين في نظر أركون وَهْم ولَّده وشكَّله خيال المجتمعات.
ولهذا جزم بعدم جواز التفريق بين الأديان الوثنية وأديان الوحي (?). فالمصدر واحد.
فليس في الوجود إله أرسل رسولا ليهدي عباده، إنما خيال المجتمعات المتراكم عبر القرون هو الذي أنتج ذلك في نظر أركون.
وإذا كانت مثلا سورة التوبة تحدثت عن أحداث تاريخية أرضية حصلت بالفعل، ولكن الخطاب القرآني خلع عليها صبغة التعالي والتقديس بربطها بالله وبمشيئته والدار الآخرة.
وبيّن لنا مترجم أركون بإشرافه أن هذه الأحداث بهذا الربط فقدت طابعها الأرضي أي: التاريخي، وأن أركون يريد أن يرجع إلى الوراء لكي يتموضع في لحظة القرآن ليكشف عن تاريخية كل ما كان قد فقد تاريخيته وأصبح يبدو متعاليا كليا، إنه منهج الحفر الأركيولوجي في الأعماق (?).
ويحدثنا أركون أن الجماعة لها يد طولى في تشكيل مجمل التراث، وأنها تقوم بعملية انتقاء وانتخاب للتراث (أي: الاحتفاظ بعناصر معينة وحذف أخرى) ثم دمجه في ذاكرتها الأسطورية التاريخية. ثم بين أن مفهومي الانتقاء والذاكرة الأسطورة التاريخية يدخلان ضمن دائرة اللامفكر فيه داخل التراث (?).