وغرائزه مستوية. فَإِن زَاد مزاج مِنْهَا عَن ربعه غلبته الأمزجة الثَّلَاثَة وقهرته وَدخل عَلَيْهِ السقم بِقدر نقصانه وعجزه عَن مقارنتها.
فَيَنْبَغِي للطبيب الْعَالم بالداء والدواء أَن يعلم من أَيْن سقم الْجَسَد بِزِيَادَة المزاج أَو من نقصانه وَيعلم الدَّوَاء الَّذِي يعالج بِهِ، فينقص مِنْهُ إِن كَانَ زايداً وَيزِيد فِيهِ إِن كَانَ نَاقِصا حَتَّى يقيمه على فطرته.
قَالَ: وَجعل الله هَذَا الْخلق الَّذِي وَصفنَا عَنهُ بِنَاء أَخْلَاق بني آدم فِي طبائعهم الَّتِي بهَا تعرف أفعالهم. فَمن اليبوسة الْعَزْم، وَمن الرُّطُوبَة اللين، وَمن الْحَرَارَة الحدّة، وَمن الْبُرُودَة الأناة. فَإِن ملك بِهِ اليبوسة كَانَ عزمه قساوة، وَإِن مَالَتْ بِهِ الرُّطُوبَة كَانَ لينه مهانة، وَإِن مَالَتْ بِهِ الْحَرَارَة كَانَت حدّته سفهاً وطيشاً، وَإِن مَالَتْ بِهِ الْبُرُودَة كَانَت [أناته] بلادة ورثياً.
فَإِن هَذِه الْأَشْيَاء الْأَرْبَعَة من اليبوسة، والحرارة، والبرودة، والرطوبة زَاد أَو نقص، دخل عَلَيْهِ الْعَيْب من ناحيته. فَإِذا اعتدلت فِيهِ استقامت فطرته وَحسنت غريزته حِين دهر بَعْضهَا بَعْضًا وَلم يعلّ شَيْئا مِنْهَا أقرانه، ومعروفه، وتوسعه، وسهولته، وترسله، ولعبه، وضحكه، وجزعه، وبطالته.
وَمن الرّوح حلمه، ووقاره، وعفافه، و [حياؤه] وفهمه، وتقاه، وتكرمه، وَصدقه، ورفقه، وَصَبره. وبالروح يسمع الْإِنْسَان، ويبصر، وَيَأْكُل، وَيشْرب، وَيقوم، [و] يقْعد، ويفرح، ويضحك، ويبكي، ويحزن. وبالروح يعرف الْإِنْسَان الحقّ من الْبَاطِل، والرشد من الغي، وَالصَّوَاب من الْخَطَأ، وَبِه علم، وَيعلم، ويتعلّم، وَيَعْفُو، وَيُدبر، ويحذر، ويعزم، ويستحي، ويتكرم، فالحليم يتَعَاهَد أخلاقه وَينظر فِيهَا. فَإِذا خَافَ أَن يغلب عَلَيْهِ بعض أَخْلَاق يبوسة التُّرَاب، ألزم كلّ خلق مِنْهَا خلقا من أَخْلَاق المَاء يمزجه بِهِ. وَإِذا خَافَ أَن يغلب عَلَيْهِ بعض أَخْلَاق النَّفس، ألزم كلّ خلق مِنْهَا خلقا من أَخْلَاق الرّوح بعده.
وَقد يُقَال: لَيْسَ من أحد إِلَّا وَفِيه من كلّ طبيعة سوء غريزة، وَإِنَّمَا التَّفَاضُل بَين النَّاس فِي مغالبة الطبائع. فإمّا أَن يسلم أحد من أَن يكون فِيهِ مِنْهَا فَلَا، إِلَّا أَن الرجل