فالرجلان يدان، وَالْيَدَانِ جَنَاحَانِ، والعينان مرتادتان، وَاللِّسَان ترجمان، والأذنان تعيتان، والكليتان مدبرتان، و [الطحال] للضحك والفرح، والكبد للحزن وَالْغَضَب وَالرَّحْمَة، والرئة للنَّفس، والدماغ لِلْعَقْلِ، والأنثيان للنسل، والصدر للهم، وَالْأنف للشمّ، والشفتان للذوق، وَالْقلب ملك ذَلِك كلّه، فَإِذا طَابَ الْملك طابت جُنُوده وَإِذا خبث الْملك خبث جُنُوده.
فَقَالَ لَهُ عبد الله بن سَلام وَكَعب الْأَحْبَار: وَالله يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ إِنَّه لهكذا عندنَا [فِي مَا] قَرَأنَا من الْكتب.
وَعَن ابْن عبّاس أَنه قَالَ: إِن الله سُبْحَانَهُ خلق آدم من طِينَة عذبة ومالحة، فَلَو كَانَت عذبة لَيست بمالحة لم يحزن أبدا، وَلم يغْضب أبدا وَلم يسأ أبدا وَلم يجهل أبدا، وَلَو كَانَت مالحة لَيست مَعهَا عذبة لم يفرح أبدا، وَلم يضْحك أبدا، وَلم يرض أبدا، وَلم يحسن أبدا، وَلم يحلم أبدا.
وَلكنه خلقه من طين عذبة ومالحة فَمَا كَانَ من [رضّى] ، أَو فَرح، أَو إِحْسَان، أَو حلم فَمن العذبة، وَمَا كَانَ من حزن، أَو بكاء، أَو إساءة، أَو جهل فَهُوَ من المالحة.
وَعَن وهب بن منبّه أَنه قَالَ: لما خلق الله آدم ركب جسده من أَرْبَعَة أَشْيَاء من اليبوسة، والرطوبة، والحرارة، والبرودة، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ خلقه من تُرَاب وَمَاء، ثمَّ جعل فِيهِ نفسا وروحاً.
فيبوسته من قبل التُّرَاب، ورطوبته من قبل المَاء، وحرارته من قبل النَّفس، وبرودته من قبل الرّوح.
ثمَّ خلق الله فِيهِ من بعد هَذَا الْخلق أَرْبَعَة أمزجة، هِيَ قوام جسده وملاكه لَا يقوم جسده إِلَّا بهَا، وَلَا يقوم مزاج أحد مِنْهَا إِلَّا بأقرانه. وَهِي: الدَّم، والبلغم، والمرّة الْحَمْرَاء، والمرّة السَّوْدَاء.
ثمَّ أسكن بعض هَذَا الْخلق فِي بعض، فَجعل مسكن اليبوسة فِي المرّة السَّوْدَاء، ومسكن الْحَرَارَة فِي المرّة الْحَمْرَاء، ومسكن الرُّطُوبَة فِي الدَّم، ومسكن الْبُرُودَة فِي البلغم. فأيما جسداً اعتدلت فِيهِ هَذِه الأمزجة الْأَرْبَعَة الَّتِي جعلهَا الله قوام جسده. فَصَارَ كل مزاج مِنْهَا ربعا لَا يزِيد وَلَا ينقص. كملت صِحَّته واعتدلت فطرته وَكَانَ سَائِر جسده