هؤلاء هم الذين ينتفعون بآيات الكون، لأنهم لم يقفوا عند حدود المنظر المشهود البادي للعيان؛ بل نظروا إلى اليد التي تسيره والقدرة التي تصنعه، إنهم يستخدمون أبصارهم وأسماعهم وعقولهم وأفكارهم على خير وجه في هذا المجال، مسترشدين بآيات الكتاب التي تعين السمع والبصر والفكر والعقل على التوصل إلى خير ما يمكن للإنسان أن يصل إليه (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودةً ورحمةً إنَّ في ذلك لآياتٍ لقومٍ يتفكَّرون - ومن آياته خلق السَّماوات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم إنَّ في ذلك لآياتٍ للعالمين - ومن آياته منامكم بالليل والنَّهار وابتغاؤكم من فضله إنَّ في ذلك لآياتٍ لقومٍ يسمعون - ومن آياته يريكم البرق خوفاً وطمعاً وينزل من السَّماء ماءً فُيحيي به الأرض بعد موتها إنَّ في ذلك لآياتٍ لقومٍ يعقلون) [الروم: 21-24] .
فالآيات تتكشف للذين يتفكرون ويسمعون ويعقلون؛ أي على وجه الحقيقة المؤدية إلى المطلوب.
أما الكفار فإنهم يشاهدون الحدث ولا يتجاوزونه بعقولهم وأفكارهم إلى صانعه وخالقه، ولا يدركون الحكمة من وراء الخلق (يعلمون ظاهراً من الحياة الدُّنيا) [الروم: 7] .
ولذلك لم ينتفعوا بالآيات الكونية؛ لأنهم لم ينظروا إليها من خلال المنظار القرآني: (قل انظروا ماذا في السَّماوات والأرض وما تغني الآياتُ والنُّذر عن قومٍ لا يؤمنون) [يونس: 10] .
ولذلك فإن القرآن ينكر على الكافرين والجاحدين تركهم النظر والاعتبار (أولم ينظروا في ملكوت السَّماوات والأرض وما خلق الله من شيءٍ وأن عسى أن يكون قد اقترب أجلهم فبأيّ حديث بعده يؤمنون) [الأعراف: 185] .