إنَّ كلَّ ما في الكون يحكي أنَّه إيجاد موجد حكيم عليم خبير، ولكنَّ الإنسان ظلوم جهول (قتل الإنسان ما أكفره - من أي شيء خلقه - من نطفةٍ خلقه فقدره - ثم السبيل يسره - ثم أماته فأقبره - ثم إذا شاء أنشره - كلا لمّا يقض ما أمره - فلينظر الإنسان إلى طعامه - أنا صببنا الماء صباً - ثم شققنا الأرض شقاً - فأنبتنا فيها حباً - وعنباً وقضباً - وزيتوناً ونخلاً) [عبس: 17-29] .
كيف يمكن أن تتأتى المصادفة في خلق الإنسان وتكوينه، وفي صنع طعامه على هذا النحو المقدّر الذي تشارك فيه الأرض والسماء، وصدق الله في وصفه للإنسان (إنَّه كان ظلوماً جهولاً) [الأحزاب: 72] . (?)
2- قالوا الطبيعة هي الخالق
وهذه فرية راجت في عصرنا هذا، راجت حتى على الذين نبغوا في العلوم المادّية، وعلل كثيرون وجود الأشياء وحدوثها بها، فقالوا: الطبيعة هي التي تُوجد وتُحدِث.
وهؤلاء نوجه لهم هذا السؤال: ماذا تريدون بالطبيعة؟ هل تعنون بالطبيعة ذوات الأشياء؟ أم تريدون بها السنن والقوانين والضوابط التي تحكم الكون؟ أم تريدون بها قوة أخرى وراء هذا الكون أوجدته وأبدعته؟
إذا قالوا: نعني بالطبيعة الكون نفسه، فإننا لا نحتاج إلى الردّ عليهم، لأنّ فساد قولهم معلوم ممّا مضى، فهذا القول يصبح ترديداً للقول السابق إنّ الشيء يوجد نفسه، أي: إنّهم يقولون الكون خلق الكون، فالسماء خلقت السماء، والأرض خلقت الأرض، والكون خلق الإنسان والحيوان، وقد بيّنا أنّ العقل الإنساني يرفض التسليم بأنّ الشيء يوجد نفسه، ونزيد الأمر إيضاحاً فنقول: والشيء لا يخلق شيئاً أرقى منه، فالطبيعة من سماء وأرض ونجوم وشموس وأقمار لا تملك عقلاً ولا سمعاً ولا بصراً، فكيف تخلق إنساناً سميعاً عليماً بصيراً! هذا لا يكون.