السَّلَف، وأن لهؤلاء -أو كثيرًا منهم- لَمَّا رأوا كتب الأشعريةِ والماتُريدية ومِن قبلهم المعتزلة، وما طَفَحَت به من الطرقِ الكلاميةِ والمناهجِ الفلسفيةِ لِإثبات اعتقاداتهم؛ ظنُّوا هذا اعتقادَ أهل السُّنَّة، وأكَّدَ ذلك أنَّهم يرَوْنَ هذه الطَّوائفَ ينتسبُ أصحابُها إلى السُّنَّة، خاصَّةً الأشعرية والماتُريدية، ويذكرونَ اعتقاداتِهم على أنَّها إعتقاداتُ أهل السُّنَّة، وكذا حينَ رأوا وقوعَ طائفةٍ من الفُضلاءِ في مُوافقةِ تلكَ الاعتقاداتِ؛ قالوا: كيفَ يُمكنُ أنْ تكونَ هذه العقائدُ مُبتَدَعةً وهي عقائدُ هؤلاءِ الجِلَّةِ؟! غافلينَ عن الأصْلِ في ذلك: (الحقُّ لا يُعرَفُ بالرِّجالِ، اعْرِف الحقَّ تعرِفْ أهلَه).
فلهؤلاء نقولُ: ليسَ اعتقادُ السَّلَفِ والأئمَّةِ على ما ظننتُم، وليس لهؤلاء الذين ظننتُم هم أهلَ السُّنَّة أتباع السَّلف، وما في كُتبهم من الكَلام والجَدَلِ؛ فليس هو من طريقة السَّلف؛ فاحْذَروا أن تنقلبَ عليكم الحقائقُ فتظنُّوا الباطلَ حقًّا، والعلمُ اللازمُ للخلقِ مبسوطٌ في الكتابِ والسُّنَّة وكلام السَّلَفِ أحسنَ بَسْطٍ وأيْسَرَهُ، ولو أنَّكم تبيَّنتُم ذلكَ؛ وجدتموهُ؛ فليسَ من يقولُ: "نعتقدُ كذا ونُثبتُ كذا وننفي كذا لقولِ اللهِ ولقولِ نبيِّه -صلى الله عليه وسلم-"؛ كمَن يقول: "نعتقدُ كذا على اعتقادِ أبي الحَسَنِ الأشعري وأبي منصورٍ الماتُريدي"، أو فُلانٍ وفُلانٍ، فيفهَمُ الناسُ أنَّ اعتقادَهم هو الحقُّ، ومن ثَمَّ يُسمَّى أتباعُهم (أهل الحق) و (أهل السُّنَّة) وغير ذلك من الألقابِ والأوصافِ، فيكونُ الحقُّ عند العامَّةِ ما صَدَرَ عن طريقهم، وما عَداه فهو الباطلُ.
ولسنا نُطالبُكم إلّا بعَرْضِ عقائِدِ الطوائفِ على الكتاب والسُّنَّة والآثار الصَّحيحةِ عن السَّلَفِ، ومثلما تبيَّنتُم اعتقاداتِ الرافضةِ والخوارج