الخَوْضِ في ذاتِ الله تعالى وأسْمائِهِ وَصِفاتِهِ، بل كانَ هذا أعْظَمَ ما وقَعَ من الفِتَنِ التي ابتُليت بها هذهِ الأمَّةُ، فحصَلَ إلحادُ طوائفَ في أسماءِ الله وصفاتهِ، وتكذيبٌ لِما جاءَ به الرَّسولُ -صلى الله عليه وسلم-، ورَدٌّ للمَقطوع به من شَرائعِ المُرْسَلينَ، مما وقَعَ به شرٌّ عَظيمٌ، وفَسادٌ كبيرٌ.

وكانَ من أخَصّ تلكَ القضايا التي طارَ في الأمَّة شَرَرُها، وعَظُمَ في النَّاس خَطَرُها، ما أحْدَثَتْهُ الجَهميةُ -أضلّ الطوائفِ الخارجةِ عن أهْلِ الحق- من وصْفِ الباري تعالى بالنقائِص، وتعْطيلِ صفاتِ الكَمال التي أثْبَتَها لنفسهِ، وأثبَتَها له رسولُه -صلى الله عليه وسلم-، أشدّ ممَّا وقَعَ من اليهودِ والنَّصارى.

ومِن أبْرَزِ ذلكَ اعتقادُهم أن لا كلامَ لله على الحَقيقة، فسَوَّوْهُ بالأصنام التي لا تَرْجِعُ لعابِديها قَوْلًا، ولا تَمْلِكُ لهم ضَرًّا ولا نَفْعًا.

وأرادوا بذلك إبطالَ الرِّسالةِ؛ فإنَّ الرُّسُلَ إنَّما بُعثوا ليبلّغوا رسالاتِ الله؛ فحين ينتفي أن يكونَ لله كلامٌ؛ فقد انتفى أنْ يكونَ لَه وَحْيٌ؛ لأنَّ الذي يُوحى إنَّما هو كلامُه وتشريعُه، وإذا انتفى أنْ يكونَ لَه وَحْيٌ؛ فالرَّسول رسولُ مَن؟ وما يوحى إليه وحْيُ مَن؟

فلِعِظَم الخُطورةِ بسبَب هذه القضيَّة، خاصَّةً وأنَّ البدعَ فيها تشعَّبت وكَثُرت، ودينُ الإِسلام يقومُ على صِحَّة الاعتقادِ فيها، رأيتُ لذلكَ تناوُلَها بالخُصوصِ من بين سائر مَسائل الاعتقاد في هذا الكتاب.

وأكَّدَ ذلك عندِي ما دَخَلَ الأمَّة -بسبَب تلبيس أهل البِدَع- من تَهوين شأْن لهذه القضيَّةِ الخطيرة، بل وإهمالِها، مَعَ أنَّ للبدْعَة رؤوسًا لا زِلْنا نَراهم يُشيعون ما يُضادُّ الاعتقادَ الصَّحيحَ وينشرونَه، ويَدْعونَ إليه في أكثرِ بلادِ المُسلمينَ، ونَرى أكثرَ إخوانِنا الدُّعاةِ في العالَم الإِسلامِيّ لم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015