وفي هذا جميعاً كانت القراءة هي المقروءَ.
وكذلك فإن القراءةَ عَمَلٌ، يُثابُ عليها فاعلُها، وكذا يقَعُ المَدْحُ لِقراءة قارىءٍ, والذَّمُّ لِقراءةِ آخر، والمُفاضَلةُ بين قِراءةِ قارىءٍ وآخر، وفي هذا كانت القراءةُ فعلَ القارىء.
فلمَّا كانت هذه الألفاظُ تأتي بالمَعْنيين، بمعنى فِعْلِ اللاَّفظ، والقارىء والتالي، وما وقَعَ عليه فعلُهُ، وهو الملفوظُ المقروءُ المتلوّ، منعَ
الإِمامُ أحمدُ وغيرُهُ من أئمَّة السُّنَّة من إطلاقِ كِلَا اللَّفْظين في كَلامِ الله تعالى -كما سيأتي- فلا يقالُ: اللَّفْظ هو المَلفوظُ، ولا يقال: غيره، وكذلك القراءةُ والتّلاوةُ، لمِا في الإطلاقِ من إيهامِ مَعانٍ فاسِدةٍ.
فلو أطْلِقَ القولُ: (لَفْظي بالقرآن مخلوقٌ) دخَلَ في الإِطلاق فعلُ اللافظ، وحركتُهُ، وصوتُهُ، وهو حَقٌّ، ودخلَ الملفوظُ الذي هو كلامُ الله المؤلّفُ من الحُروفِ المَنطوقة المَسْموعةِ المَفْهومةِ، وهو باطلٌ.
وهذا هو مُرادُ من أطلقَ ذلكَ, لأنَّ أوَّلَ من أطلقه الجَهْمِيَّةُ القائلون بأنَّ القرآنَ مخلوقٌ (?).
وإنْ أطْلَقَ القولُ: (لَفْظي بالقرآن غيرُ مخلوقٍ) دخَلَ في الإِطلاق أيضاً فعلُ اللافظ، وهو باطلٌ، فإنَّ أفعالَ العباد جَميعاً مخلوقةٌ لله تعالى، كما قال الله تعالى: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} [الصافات: 96] ودخلَ الملفوظُ الذي هو كلامُ الله، وهو حَقٌّ، فإنَّ كلامَ الله تعالى غيرُ مخلوقٍ، حُروفَه ومعانِيَهُ.