ثالثًا: بطلان الدور: والدور هو توقف وجود أمر على أمر آخر، إلا أن هذا الأخير متوقف في وجوده على وجود الأول وهذا باطل غير مستقيم عقلًا. مثاله: لو قلنا: إن وجود البيضة متوقف علي وجود الدجاجة، إلا أن الدجاجة متوقفة على وجود البيضة لما وجد كلاهما لاستحالة ذلك. وهذا هو الدور, فلو قال القائل: إن الكون حادث وله علة إلا أن هذه العلة المؤثرة في وجوده عبارة عن التفاعلات الذاتية لذراته الأولى والتي استمرت لملايين السنين حتى انتهت إلى هذا الكون أي أن الطبيعة هي التي أوجدته. فنقول له: ما هي العلة الأولى في إيجاد الذرات الأولى المتفاعلة؟ وما علة التفاعل الذاتي؟ فإن قال: العلة في تلك الذرات ذاتها أي أنها أوجدت نفسها ثم تفاعلت لتوجد الكون.
قلنا له: إن هذا هو الدور الممنوع ذاته لأنك جعلت الشيء علة لوجود غيره وهذا الغير علة لوجوده هو في ذاته حيث إنه لما كان في العدم المطلق كان وجوده متوقفًا على أن يخرج من العدم فإذا خرج أصبح علة لإيجاد نفسه. ثم نقول له: إنك قلت إن الكون محدث غير أزلي فكيف يكون المحدث علة لنفسه وهو لم يكن موجودًا من قبل والعدم المحض لا يوجد شيئًا فإن الشيء يمتنع أن يكون خالقًا ومخلوقًا في الوقت نفسه.