سُئِلَ فِي رَجُلٍ أَقَامَهُ الْقَاضِي وَصِيًّا عَلَى يَتِيمٍ وَلَمْ يَفْرِضْ لَهُ إذْ ذَاكَ نَفَقَةً ثُمَّ فَرَضَ لَهُ أَجْرًا فِي مُقَابَلَةِ عَمَلِهِ فَتَنَاوَلَهُ عَنْ الْمُدَّةِ الْمَاضِيَةِ الْخَالِيَةِ عَنْ الْفَرْضِ هَلْ لَهُ ذَلِكَ أَمْ لَا؟
(أَجَابَ) : لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ لِشُرُوعِهِ مُتَبَرِّعًا وَهَذَا مِمَّا لَا يَشُكُّ فِي حُرْمَتِهِ ذُو فَهْمٍ سَلِيمٍ وَانْظُرْ إلَى قَوْله تَعَالَى {وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ} [الإسراء: 34] ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. اهـ.
لَكِنْ قَالَ فِي جَوَابِ سُؤَالٍ آخَرَ: هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِيهَا اخْتِلَافُ قِيَاسٍ وَاسْتِحْسَانٍ فَفِي الْخَانِيَّةِ، وَالْبَزَّازِيَّةِ لَهُ ذَلِكَ لَوْ مُحْتَاجًا اسْتِحْسَانًا، وَفِي الْقُنْيَةِ صَحَّحَ أَنْ لَا أَجْرَ لَهُ وَقَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ الْمَأْخُوذَ بِهِ الِاسْتِحْسَانُ إلَّا فِي مَسَائِلَ لَيْسَتْ هَذِهِ مِنْهَا وَإِذَا كَانَ الِاسْتِحْسَانُ أَنَّ لَهُ ذَلِكَ بِدُونِ تَعْيِينِ الْقَاضِي فَبِتَعْيِينِهِ أَوْلَى وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ نَقْلَ الْقُنْيَةِ لَا يُعَارِضُ نَقْلَ قَاضِي خَانْ فَإِنَّ قَاضِي خَانْ مِنْ أَهْلِ التَّرْجِيحِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الشَّيْخُ قَاسِمٌ فِي تَصْحِيحِهِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. اهـ.
وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَا فِي الْقُنْيَةِ لَمْ يُقَيَّدْ بِالِاحْتِيَاجِ فَلَا يُخَالِفُ مَا فِي الْخَانِيَّةِ عَلَى أَنَّ الَّذِي فِي الْقُنْيَةِ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَبْنِيًّا عَلَى الْقِيَاسِ الَّذِي هُوَ قَوْلُ الْإِمَامِ وَمَالَ إلَيْهِ الْفَقِيهُ فَهُوَ تَصْحِيحٌ لِلْقَوْلِ الْآخَرِ نَقَلَهُ عَنْ غَيْرِهِ تَأَمَّلْ، وَقَالَ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ أَيْضًا فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى الْأَشْبَاهِ فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ الْأَمَانَاتِ بَعْدَ كَلَامٍ طَوِيلٍ وَلَا يَخْفَى أَنَّ وَصِيَّ الْمَيِّتِ إذَا امْتَنَعَ عَنْ الْقِيَامِ بِالْوَصِيَّةِ إلَّا بِأَجْرٍ لَا يُجْبَرُ عَلَى الْعَمَلِ لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ وَلَا جَبْرَ عَلَى الْمُتَبَرِّعِ فَإِذَا رَأَى الْقَاضِي أَنْ يَعْمَلَ لَهُ أُجْرَةَ الْمِثْلِ فَمَا الْمَانِعُ مِنْهُ وَهِيَ وَاقِعَةُ الْفَتْوَى، وَقَدْ أَفْتَيْت بِهِ مِرَارًا. اهـ. وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الِاسْتِحْسَانَ إنَّمَا هُوَ فِيمَا إذَا كَانَ مُحْتَاجًا لَا مُطْلَقًا فَغَيْرُ الْمُحْتَاجِ لَا أَجْرَ لَهُ لِأَنَّهُ دَخَلَ فِي الْوِصَايَةِ مُتَبَرِّعًا مِنْ أَوَّلِ الْأَمْرِ وَهُوَ وَإِنْ كَانَ لَا يُجْبَرُ عَلَى التِّجَارَةِ فِي مَالِ الْيَتِيمِ وَعَلَى اقْتِضَاءِ دُيُونِهِ لَكِنَّهُ إذَا فَعَلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ يَكُونُ قَدْ فَعَلَ مَا الْتَزَمَ أَنْ يَفْعَلَهُ مُتَبَرِّعًا حِينَ قَبُولِهِ الْوِصَايَةَ مِنْ الْمَيِّتِ حَتَّى كَانَتْ لَازِمَةً لَهُ فَلَا يَمْلِكُ عَزْلَ نَفْسِهِ وَلَا يَمْلِكُ الْقَاضِي عَزْلَهُ فِي الصَّحِيحِ إلَّا بِخِيَانَةٍ ظَاهِرَةٍ أَوْ فِسْقٍ ظَاهِرٍ وَهَذَا فِي وَصِيِّ الْمَيِّتِ أَمَّا وَصِيُّ الْقَاضِي فَلَهُ عَزْلُ نَفْسِهِ لَكِنْ فِي الْبَزَّازِيَّةِ يَنْبَغِي أَنْ يَشْتَرِطَ عِلْمَ الْقَاضِي بِعَزْلِهِ وَلِلْقَاضِي عَزْلُهُ أَيْضًا وَعَلَى هَذَا فَيَنْبَغِي التَّفْصِيلُ بِأَنْ يُقَالَ: إنَّ وَصِيَّ الْمَيِّتِ لَا أَجْرَ لَهُ إلَّا إذَا كَانَ مُحْتَاجًا فَلَهُ الْأَكْلُ مِنْ مَالِ الْيَتِيمِ بِقَدْرِ عَمَلِهِ وَلِلْقَاضِي أَنْ يَفْرِضَ لَهُ ذَلِكَ لَكِنْ لِلْمُسْتَقْبَلِ لَا لِمَا مَضَى لِشُرُوعِهِ فِيهِ مُتَبَرِّعًا، وَأَمَّا وَصِيُّ الْقَاضِي فَإِنْ كَانَ مُحْتَاجًا فَكَذَلِكَ وَإِلَّا فَإِنْ نَصَبَهُ الْقَاضِي وَجَعَلَ لَهُ أُجْرَةَ الْمِثْلِ جَازَ وَكَذَا إذَا امْتَنَعَ بَعْدَ النَّصْبِ عَنْ الْعَمَلِ حَتَّى يَجْعَلَ لَهُ أُجْرَةً لِأَنَّ وِصَايَتَهُ غَيْرُ لَازِمَةٍ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَعْزِلَ نَفْسَهُ كَمَا عَلِمْت فَلَهُ أَنْ يَمْتَنِعَ عَنْ الْمُضِيِّ فِي الْعَمَلِ إلَّا بِأَجْرٍ.
وَفِي الْقُنْيَةِ الْوَصِيُّ إذَا نَصَبَهُ الْقَاضِي وَعَيَّنَ لَهُ أَجْرًا بِقَدْرِ أَجْرِ الْمِثْلِ جَازَ وَأَمَّا وَصِيُّ الْمَيِّتِ فَلَا أَجْرَ لَهُ عَلَى الصَّحِيحِ. اهـ. فَقَوْلُهُ عَلَى الصَّحِيحِ إمَّا مَبْنِيٌّ عَلَى تَصْحِيحِ مَا هُوَ الْقِيَاسُ كَمَا قَدَّمْنَا أَوْ عَلَى الِاسْتِحْسَانِ وَأَنَّ الْمُرَادَ لَا أَجْرَ لَهُ إذَا كَانَ غَيْرَ مُحْتَاجٍ وَعَلَى كُلٍّ فَلَا يُخَالِفُ مَا تَقَدَّمَ عَنْ الْخَانِيَّةِ كَمَا مَرَّ هَذَا وَقَدْ صَحَّحَ فِي الْخَانِيَّةِ أَنَّ الْوَصِيَّ لَوْ آجَرَ نَفْسَهُ مِنْ الْيَتِيمِ لَمْ يَصِحَّ، وَفِيهَا أَيْضًا قَالَ لَك أَجْرُ مِائَةٍ عَلَى أَنْ تَكُونَ وَصِيِّي اخْتَلَفُوا فِيهِ قَالَ نُصَيْرٌ الْإِجَارَةُ بَاطِلَةٌ وَلَا شَيْءَ لَهُ وَقَالَ أَبُو سَلَمَةَ: الشَّرْطُ بَاطِلٌ، وَالْمِائَةُ وَصِيَّةٌ لَهُ وَيَكُونُ وَصِيًّا وَبِهِ أَخَذَ أَبُو جَعْفَرٍ وَأَبُو اللَّيْثِ. اهـ. فَإِذَا كَانَ اسْتِئْجَارُ الْأَبِ لَهُ بَاطِلًا فَاسْتِئْجَارُ الْقَاضِي أَوْلَى إلَّا إذَا كَانَ مُحْتَاجًا لَكِنْ الظَّاهِرُ أَنَّ بُطْلَانَ الْإِجَارَةِ إنَّمَا هُوَ لِمَوْتِ الْأَبِ فَإِنَّ الْإِجَارَةَ تَبْطُلُ بِالْمَوْتِ هَذَا غَايَةُ مَا تَحَرَّرَ لِي فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
(سُئِلَ) فِيمَا إذَا كَانَ زَيْدٌ وَصِيًّا مُخْتَارًا عَلَى ابْنِ أَخِيهِ الْقَاصِرِ الْيَتِيمِ بِمُوجِبِ حُجَّةٍ شَرْعِيَّةٍ وَهُوَ أَمِينٌ كَافٍ لِمَصَالِحِ الْيَتِيمِ أَهْلٌ لِلْوِصَايَةِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ مُبَاشِرٌ لِأُمُورِ الْيَتِيمِ بِمَا فِيهِ الْمَصْلَحَةُ، وَالنَّفْعُ لَهُ فَنَصَبَ الْقَاضِي أُمَّ الْيَتِيمِ نَاظِرَةً عَلَى الْوَصِيِّ بِدُونِ مَصْلَحَةٍ لِلْيَتِيمِ وَلَا خِيَانَةٍ ظَهَرَتْ مِنْ الْوَصِيِّ فَقَامَتْ تُعَارِضُ الْوَصِيَّ فِي تَعَاطِي أُمُورِ الْيَتِيمِ بِدُونِ وَجْهٍ شَرْعِيٍّ زَاعِمَةً أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ