إنْ شَاءَ تَرَكَ الثَّانِيَ وَصِيًّا وَصَارَ الْأَوَّلُ خَارِجًا عَنْ الْوِصَايَةِ وَإِنْ شَاءَ أَعَادَ الْأَوَّلَ إلَى الْوِصَايَةِ بَعْدَمَا قُضِيَ دَيْنُهُ وَذَكَرَ الْخَصَّافُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ الْقَاضِيَ يَجْعَلُ لِلْمَيِّتِ وَصِيًّا فِي مِقْدَارِ الدَّيْنِ الَّذِي يَدَّعِيهِ صَاحِبُهُ وَلَا يُخْرِجُهُ الْقَاضِي عَنْ الْوِصَايَةِ وَبِهِ أَخَذَ الْمَشَايِخُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى الْقَاضِي إذَا اتَّهَمَ الْوَصِيَّ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَجْعَلُ الْقَاضِي مَعَهُ غَيْرَهُ وَلَا يُخْرِجُهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يُخْرِجُهُ وَهُوَ الظَّاهِرُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى لِأَنَّ الْوَصِيَّ قَائِمٌ مَقَامَ الْمَيِّتِ وَلَوْ كَانَ الْأَبُ حَيًّا وَخِيفَ مِنْهُ عَلَى مَالِ الصَّغِيرِ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يُخْرِجُ الْمَالَ مِنْ يَدِهِ فَالْوَصِيُّ أَوْلَى. اهـ.
وَفِي الْخُلَاصَةِ مِنْ آخَرِ الْفَصْلِ الْخَامِسِ الْوَصِيُّ إذَا ادَّعَى دَيْنًا عَلَى الْمَيِّتِ لَا يُخْرِجُهُ الْقَاضِي عَنْ الْوِصَايَةِ وَلَوْ ادَّعَى شَيْئًا مِنْ الْأَعْيَانِ يُخْرِجُهُ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ الْمُخْتَارُ فِي الدَّيْنِ أَيْضًا أَنْ يَقُولَ لَهُ الْقَاضِي: إمَّا أَنْ تُقِيمَ الْبَيِّنَةَ عَلَى الدَّيْنِ أَوْ تُبْرِئَهُ عَنْ الدَّيْنِ أَوْ أُخْرِجَك عَنْ الْوِصَايَةِ فَإِنْ أَبْرَأَهُ وَإِلَّا أَخْرَجَهُ عَنْ الْوِصَايَةِ وَجَعَلَ مَكَانَهُ آخَرَ. اهـ. فَتَلَخَّصَ أَنَّهُ إذَا ادَّعَى دَيْنًا وَعَيْنًا يَكُونُ مُجْمَعًا عَلَيْهِ وَإِنْ ادَّعَى دَيْنًا فَقَطْ فَعَلَى الْخِلَافِ، وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ يُخْرِجُهُ وَإِنْ ادَّعَى عَيْنًا فَقَطْ يَكُونُ مُجْمَعًا عَلَيْهِ أَيْضًا فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ.
(سُئِلَ) فِي الْوَصِيِّ الْمُخْتَارِ إذَا عَمِلَ فِي مَالِ الْيَتِيمِ مُدَّةً فِيمَا فِيهِ مَصْلَحَةٌ لِلْيَتِيمِ مِنْ قَبْضٍ وَصَرْفٍ وَبَيْعٍ وَشِرَاءٍ وَسَفَرٍ لِتَحْصِيلِ مَالِ الْيَتِيمِ الْكَائِنِ فِي غَيْرِ بَلْدَتِهِ ثُمَّ قَبَضَ مِنْ مَدْيُونِهِ بَعْضَ الدَّيْنِ وَتَعَذَّرَ عَلَيْهِ أَخْذُ الْبَاقِي لِعُسْرِ الْمَدْيُونِ فَهَلْ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ لِمَا بَقِيَ مِنْ الدَّيْنِ وَلَهُ أَجْرُ مِثْلِ عَمَلِهِ؟
(الْجَوَابُ) : نَعَمْ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ لِمَا بَقِيَ مِنْ الدَّيْنِ وَلَهُ أَجْرُ مِثْلِ عَمَلِهِ، وَفِيهِ قِيَاسٌ وَاسْتِحْسَانٌ أَمَّا الْقِيَاسُ فَلَا يَأْكُلُ وَلَوْ مُحْتَاجًا إلَّا إذَا كَانَ لَهُ أُجْرَةٌ فَيَأْكُلُ قَدْرَ أُجْرَتِهِ كَمَا فِي الْفُصُولَيْنِ، وَالْعِمَادِيَّةِ وَصُحِّحَ فِي الْقُنْيَةِ أَنَّهُ لَا أَجْرَ لَهُ وَأَمَّا الِاسْتِحْسَانُ فَلَهُ ذَلِكَ لَوْ مُحْتَاجًا كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ، وَالْبَزَّازِيَّةِ، وَفِي الْخَيْرِيَّةِ وَحَوَاشِي الْأَشْبَاهِ لِلْحَمَوِيِّ الْمَأْخُوذُ بِهِ الِاسْتِحْسَانُ إلَّا فِي مَسَائِلَ لَيْسَتْ هَذِهِ مِنْهَا وَنَقْلُ الْقُنْيَةِ لَا يُعَارِضُ نَقْلَ الْخَانِيَّةِ فَإِنَّ قَاضِي خَانْ مِنْ أَهْلِ التَّرْجِيحِ كَمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ الشَّيْخُ قَاسِمٌ فِي تَصْحِيحِهِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
(سُئِلَ) فِي الْوَصِيِّ الْمُخْتَارِ إذَا عَمِلَ فِي تَرِكَةِ الْمُوصِي أَعْمَالًا شَتَّى وَلَمْ يَكُنْ الْمُوصِي جَعَلَ لَهُ شَيْئًا فَهَلْ لَهُ أَجْرُ مِثْلِ عَمَلِهِ؟
(الْجَوَابُ) : نَعَمْ لَهُ أَجْرُ مِثْلِ عَمَلِهِ اسْتِحْسَانًا لَوْ مُحْتَاجًا كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ، وَالْبَزَّازِيَّةِ وَهُوَ الْمَأْخُوذُ بِهِ كَمَا فِي الْخَيْرِيَّةِ وَحَوَاشِي الْأَشْبَاهِ لِلْحَمَوِيِّ.
(أَقُولُ) تَقْيِيدُهُ بِقَوْلِهِ لَوْ مُحْتَاجًا مُوَافِقٌ لِمَا فِي الْآيَةِ الشَّرِيفَةِ {وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء: 6] وَنَصُّ عِبَارَةِ الْخَانِيَّةِ هَكَذَا " وَعَنْ نُصَيْرٍ لِلْوَصِيِّ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ مَالِ الْيَتِيمِ وَيَرْكَبَ دَوَابَّهُ إذَا ذَهَبَ فِي حَوَائِجِ الْيَتِيمِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَجُوزُ وَهُوَ الْقِيَاسُ، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَجُوزُ أَنْ يَأْكُلَ بِالْمَعْرُوفِ إذَا كَانَ مُحْتَاجًا بِقَدْرِ مَا سَعَى. اهـ ".
وَنَحْوُهُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ الِاسْتِحْسَانَ أَنَّ لَهُ قَدْرَ أَجْرِ مِثْلِ عَمَلِهِ لَوْ مُحْتَاجًا وَظَاهِرُهُ أَنَّ لَهُ ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَفْرِضْ لَهُ الْقَاضِي أُجْرَةً لَكِنْ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ عَنْ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَلَا يَأْكُلُ الْوَصِيُّ وَلَوْ مُحْتَاجًا إلَّا إذَا كَانَ لَهُ أُجْرَةٌ فَيَأْكُلُ قَدْرَ أُجْرَتِهِ. اهـ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى الْقِيَاسِ مِنْ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ الْأَكْلُ قَالَ فِي أَدَبِ الْأَوْصِيَاءِ: وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَأْكُلَ لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ} [النساء: 10] . . . إلَخْ.
قَالَ الْفَقِيهُ وَلَعَلَّ قَوْله تَعَالَى {وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا} [النساء: 6] نُسِخَ بِهَذِهِ الْآيَةِ قُلْتُ فَكَأَنَّهُ يَمِيلُ إلَى اخْتِيَارِ الثَّانِي وَهُوَ قَوْلُ الْإِمَامِ قَالَ فِي الْقُنْيَةِ قَالَ أَبُو ذَرٍّ وَهُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّهُ شَرَعَ فِي الْوِصَايَةِ مُتَبَرِّعًا فَلَا يُوجِبُ ضَمَانًا. اهـ. قَالَ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِهِ إلَّا إذَا كَانَ لَهُ أَجْرٌ مَعْلُومٌ فَيَأْكُلُ بِقَدْرِهِ. اهـ. فَقَدْ ظَهَرَ بِهَذَا أَنَّ الِاسْتِحْسَانَ هُوَ أَنَّ لَهُ الْأَكْلَ لَوْ مُحْتَاجًا وَلَوْ لَمْ يُفْرَضْ لَهُ أَجْرٌ وَأَنَّ الْقِيَاسَ أَنْ لَا يَأْكُلَ مُطْلَقًا إلَّا إذَا فُرِضَ لَهُ أَجْرٌ عَلَى مَا قَالَهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَأَنَّ الْقِيَاسَ هُوَ قَوْلُ الْإِمَامِ وَصَحَّحَهُ أَبُو ذَرٍّ وَمَالَ إلَيْهِ الْفَقِيهُ
وَقَدْ أَفْتَى بِذَلِكَ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ حَيْثُ