يقول أبو الوليد: "والمعاد مما اتفقت على وجوده الشرائع، وقامت عليه البراهين عند العلماء، وإنما اختلفت الشرائع في صفة وجوده، ولم تختلف في الحقيقة في وجوده" يشير ابن رشد إلى أن المعاد لم يكن محل نزاع بين الشرائع السماوية، أو لدى العقلاء والحكماء، بل كان محل اتفاق في المجالين الشرعي والفلسفي - إن صح التعبير - وإنما اختلفت الناس في أمرين في شأن المعاد:
1 – أهو روحاني فقط، أو روحاني وجسماني معاً، ثم يسوق ابن رشد الدليل فيقول: "والاتفاق على هذه المسألة مبني على اتفاق روحي في ذلك، واتفاق قيام البراهين الضرورية عند الجميع على ذلك" هكذا يصرح ابن رشد بأن الأدلة النقلية المأخوذة من الشرائع السماوية، والبراهين العقلية اتفقت على أن للإنسان سعادتين اثنتين:
1- دنيوية.
2- أخروية.
ويحلل ابن رشد المسألة قائلاً: "وانبنى ذلك عند الجميع على أصول يعترف بها عند الكل منها:
أ - أن الإنسان أشرف من كثير من الموجودات.
ب - إذا كان كل موجود يظهر من أمره انه لم يخلق عبثاً، وأنه إنما خلق لفعل مطلوب منه، وهو ثمرة وجوده، فالإنسان أحرى بذلك، وقد نبه الله تعالى على وجود هذا المعنى في جميع الموجودات في الكتاب العزيز فقال: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ} (ص: 27) , وقال جل من قائل وهو يثني على عباده الذين يدركون هذه الغاية المطلوبة من الوجود: {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} (آل عمران:191) ".
ثم يقول أبو الوليد: "ووجود الغاية في الإنسان أظهر منها في جميع الموجودات، وقد نبه الله تعالى عليها في غير مرة ما آية في كتابه العزيز فقال: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ} (المؤمنون: 115) , وقال: {أَيَحْسَبُ