ورابعها: أن الأمة مجمعة على أن من شرط القياس أن لا يرده النص، وإن كان العموم مخالفًا له فقد رده.
وخامسها: أنه لو جاز التخصيص بالقياس، لجاز النسخ به، وقد تقدم تقريره.
والجواب عن الأول: أن الحكم الثابت بالعموم ليس معلومًا، بل سند الكتاب والسنة المتواترة معلوم، والدلالة ظنية، فيكون الحكم الثابت به مظنونًا. ودلالة القياس قد تكون قطعية إذا كانت مقدماته كلها معلومة، فيكون الحكم الثابت به معلومًا.
وعن الثاني: أن القياس فرع لنص آخر غير النص الذي عمومه مخصوص بالقياس، وحينئذ يزول السؤال.
وعن الثالث: لا نسلم أن حديث معاذ دل على أنه لا يجوز الاجتهاد إلا بعد فقدان الكتاب، ولا نسلم أن عموم الكتاب إذا عارضه القياس المخصص لبعض صوره يكون الحكم ثابتًا في تلك الصورة التي يتناولها القياس بالكتاب، بل الحكم عندنا حينئذ مفقود من الكتاب، ثم إن حديث معاذ إن اقتضى أنه لا يجوز تخصيص الكتاب بالسنة المتواترة أيضًا؛ لأنه كما اقتضى تأخير القياس عن الكتاب والسنة، فقد اقتضى تأخير السنة عن الكتاب، فالنسبة بينهما واحدة، ولا شك في فساد ذلك.