وثانيهما: أن الصحيح جواز تكليف ما لا يطاق، فيجوز تكليف من سقطت رجلاه أن يغسل رجليه، فلو سلمنا أنه نسخ لمنعنا أن يكون العقل دليلا عليه؛ لأن العقل يجوز التكليف حينئذ، بل إنما يعلم ذلك من جهة السمع، أو نقول: يبقى التكليف متعلقًا بغسل الرجلين بعد قطعهما وبغسلهما مقطوعتين.
القسم الثاني: التخصيص بالحس، كالشم والذوق، والبصر، واللمس، فإن هذه الحواس قد تفيد أن بعض أفراد العموم غير مندرج في حكمه، كقوله تعالى: {تدمر كل شيء}، فإن البصر شاهد أنها لم تدمر الأرض والجبال والسماوات والبحار وغير ذلك، وأن هذا الحكم لا يتناول هذه الصور في حالة من الحالات، غير أنه لابد مع الحس من نظر عقلي يجمع بين العموم وما شوهد بالحس، ونقول: هذه الأفراد غير مندرجة في حكم هذا العموم، أما الحس وحده فليس كافيًا إلا في المشاهدة، أما في حصول التخصيص فلا، ولذلك أن البهيمة تشاهد بقاء هذه الأمور ولا تقضي بالتخصيص لعدم العقل من جهتها، وكذلك ما يدرجه الشم من الروائح في تلك الحالة، أو يدركه